المقال العشرون من سلسلة (الاعجاز الطبى في القرآن والسنة) اعداد الاستاذ الدكتور/ عبد الحميد محمد صديق استشارى الجراحة العامة
يعد الألم كحس من حواس الإنسان بمثابة الحرس القارع بالإنذار من المخاطر المحيطة بنا وبدون الألم يفقد الإنسان قدرته على البقاء، حيث يمكن لأي عدو من أعداء الإنسان أن يخترق جلده ويدمره في وقت وجيز جداً دون أن يشعر.
وبدون الألم أيضاً يمكن أن تستفحل الأمراض داخل الإنسان فتقضى على أعضائه الداخلية وينتهى إلى نفس المصير. إذن فالألم ضرورة من ضرورات الحياة ..
والقرآن الكريم ذكر الألم في مواضع من سورة النساء .. ليبين للمؤمن كيفية الصبر عليه، وأن الألم هو حس إنساني موجود في كل إنسان ويتصور بعض المفسدين أن الألم المذكور في هذه الآية يدل على أنه ألم معنوي .. إذا أصاب النفوس فهو شبيه بالحزن .. ويتجه البعض إلى أنه ألم حسى أي نتيجة طعنات القتال قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء: ١٠٤.
وطبيعة الألم على كل حال مركبة .. وسنعرض لها بشيء من التفصيل فيما بعد .. إلا أن القرآن الكريم عرض لنا عددا كبيرا من الآيات المذيلة بكلمة أليم وهو ما يتبع العذاب من إحساس بالألم ” وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابُ أليم” البقرة : ١٠٤ . وقوله تعالى ” إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” . إبراهيم : ٢٢ .
وفي سورة يس هدد أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون هددوهم بالإيذاء والعذاب الأليم ” لَنرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ” يس: ١٨ .
والألم كما نعرف أحد أفراد عائلة الحس السطحي وهناك نوع من الألم يعرف بالألم الحشوي ..
والمسار العصبي للألم السطحي يتماشى تماماً مع المسار العصبي للإحساس بالحرارة. ويبدأ بمستقبلات منتشرة بالجلد … تفترشه على شكل خارطة عصبية، نتمكن من دراستها إكلينيكياً بشكة الدبوس الخفيفة ونحدد تماما الشعور بالألم وسلامته على مستوى جسم الإنسان كاملاً.
ويحدث أن تنشط مستقبلات الألم الموجود في الجلد كنهايات عصبية لأى مؤثر يهدد سلامة الأنسجة ووظيفتها الطبيعية. وهذا المؤثر الخارجي يمكن أن يؤثر على المستقبلات مباشرة أو عن طريق عدة تفاعلات تنتهى بإفراز مواد محضرة للألم.
منها :
مادة البروستاجلاندين
ومادة البراديكينين
ومادة السيروتونين
وغيرها من المواد الكيميائية الوسيطة.
ولقد وجد العلماء أن طبيعة مستقبلات الألم فى تنشيطها للإحساس ليست ثابتة أو موحدة على مستوى الجسم كله .. أي الموجودة في طبقة الجلد ..
فعملية التنشيط أو التحفيز قد تتأثر من منطقة لأخرى لوجود عوامل تحول دون الإحساس بالألم بدرجة طبيعية مثل مرض الأنسجة وتعرضها لمؤثرات تنقص سلامتها ..
في هذه الحالة تنطلق مادة البرستاجلاندين التي تزيد الإحساس بالألم وعلى النقيض فإن استخدام مواد مسكنة للألم يقلل من الإحساس بالألم.
ومن هذا المنطلق سيكون مدخلنا لمعرفة أنواع الألم وكيف تعامل القرآن مع هذه الظاهرة الإنسانية التي لازمت الإنسان منذ خلقه ستلازمه في دار الخلود .. في الآخرة أيضاً إذا كان من أصحاب النار والعياذ بالله.
والألم بين حالتين إذا توقفنا قليلاً أمام وخز الإبرة .. الذى لا يستمر إلا ثواني معدودات وذلك الألم الذي يقيم بين المفاصل أو في أي مكان آخر في الجسم. ويحتاج دائما النهايات العصبية بالجلد دورها نقل المسكنات لفترات طويلة الإحساس كالألم ويتوقف بتحطمها.
حتى يشعر الإنسان بالراحة منة بين الحين والآخر .. سنجد أننا أمام نوعين من الألم :
ـ ألم حاد .
ـ والم مزمن.
فما هي الحكمة التي انقسم بالإحساس بالألم بين يديها إلى نوعين ؟!
النوع الأول :
نقف أمام الألم كإحساس مادى يترجم حالة مادية حدثت لمادة الجسم … فعلماء الفسيولوجيا يعرفونه على أنه حالة تعلمنا وتنذرنا بوجود ما يهدد أجسامنا من الخارج أو الداخل وبالتالي يحمى أنسجتنا من أي تلف دائم وبالتالي فهو يحمى حياتنا، فالألم هو إحساس غير سار بالطبع أي إحساس منفر وخبرة شعورية تصاحب حالة فعلية من تلف الأنسجة الحية ..
ـ وينقسم الألم تبعاً لِمَنْشَأه إلى :
ـ ألم بدنى.
ـ الألم الحشوي.
والألم البدني هذا عبارة عن ألم سطحي يأتي من مستقبلات الألم الموجودة بالجلد، وألم عميق يأتي من مستقبلات الألم الموجودة بالأنسجة الأعمق من الجلد كالعظام والعضلات والأنسجة الضامة والمفاصل.
والألم الحشوي هو ألم ينشأ من الأحشاء نتيجة تمدد وشد سريع للأعضاء المجوفة فى البطن .. وكذلك فإن تقلص أو انقباض الأحشاء بقوة يكون مؤلماً خاصة إذا كان مصحوبا بنقص تروية الأحشاء هذه بالدم.
ولو نظرنا إلى صورة الألم السطحي المتمثل في وخزة الإبرة مثلاً فإن ذلك يحدث على مرحلتين أو يشعر الإنسان بهما في مكونين:
الأول: يكون سريعاً جداً، حاداً ومحدداً للموضع يزول سريعاً إذا أزيل العامل أي الوخذ”.
والثاني: يتأخر نسبياً ليبدأ من جزء من الثانية إلى ثانية كاملة وهو ألم يشبه الحرقان وليس محددا ويزول بشيء من البطء ثم إذا نظرنا إلى الألم العميق القادم من الأنسجة الأعمق من الجلد .. فإنه ألم أيضاً غير محدد، يميل إلى الانتشار في الأنسجة المحيطة.