د. إسلام عوض يكتب: الفريضة الغائبة
17 أغسطس، 2025
العلم والعلماء

بقلم : الدكتور إسلام عوض مدير تحرير بجريدة الأهرام المصرية
لطالما كانت القراءة والمطالعة ركيزتين أساسيتين للتقدم الحضاري.
فمن خلالهما تتراكم المعارف، وتتجدد الأفكار، وتنمو القدرات البشرية،وإذا نظرنا إلى تاريخ الحضارات، نجد أن أوج ازدهارها كان مرتبطًا ارتباطًا
وثيقًا بانتشار العلم وشغف القراءة.
اليوم، وفي ظل تسارع وتيرة التطور المعرفي والتكنولوجي، تبرز المقارنة
بين نسبة القراءة في العالم العربي والإسلامي ونظيرتها في الغرب كمسألة جوهرية لفهم أسباب التراجع الذي تعيشه الأمة الإسلامية، والتقدم المطرد الذي يحققه الغرب.
تشير العديد من الدراسات إلى تراجع مقلق في نسبة القراءة والمطالع في العالم العربي والإسلامي مقارنة بالغرب فبينما يُقدَّر متوسط عدد الكتب التي يقرأها الفرد الغربي سنويًا بالعشرات، لا يتجاوز هذا المتوسط في معظم الدول العربية والإسلامية أجزاء من كتاب.
تتعدد الأسباب وراء هذا التراجع: فمنها ما هو مرتبط بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، ومنها ما يتعلق بضعف المناهج التعليمية التي لا تغرس حب القراءة في نفوس النشء، ومنها ما يرتبط بانتشار ثقافة التلقي السلبي للمعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والترفيه الإلكتروني، والتي حلت محل القراءة المتأنية والعميقة.
المفارقة المؤلمة تكمن في أن ديننا الإسلامي الحنيف قد جاء بالدعوة
الصريحة والواضحة للعلم والقراءة والمطالعة والتعلم المستمر، بل وجعلهامن أولى أولوياته.
فكانت أول آية نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1). هذه الآية الكريمة ليست مجرد دعوة للقراءة فحسب، بل هي أمر إلهي ببدء رحلة العلم والمعرفة باسم الله، مما يضفي عليها قدسية وعمقًا.
ولم تقتصر الدعوة على القرآن الكريم : بل جاءت السنة النبوية وطلب العلم لتؤكد هذا النهج، فحث النبي صلى الله عليه وسلم على طلب العلم في أحاديث كثيرة، منها: “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة” (رواه ابن ماجه)، وهذا يؤكد أهمية القراءة للمسلمين.
إن هذا التباين الصارخ في الاهتمام بالقراءة والمطالعة، رغم أن ديننا هو أول من دعا إليها، قد ترتب عليه نتائج وخيمة على الأمة الإسلامية. ففي الوقت الذي غفلت فيه الأمة عن وصايا دينها في طلب العلم وتفشى فيها الجهل انكب الغرب على البحث والمعرفة، فكانت النتيجة: تراجع الأمة الإسلاميةفي كافة المجالات العلمية والاقتصادية والتكنولوجية، بينما حقق تقدم الغرب والقراءة نقلات نوعية في كافة المجالات.
إن إعادة إحياء ثقافة القراءة والمطالعة في العالم العربي والإسلامي ليست ترفًا، بل هي ضرورة حتمية للنهوض من كبوتنا واستعادة مكانتنا الريادية بين الأمم ويتطلب ذلك جهودًا متكاملة من الأفراد والمؤسسات والدول، بدءًا من غرس حب القراءة في نفوس الأطفال، مرورًا بدعم صناعة النشر، وصولًا إلى إطلاق مبادرات وطنية للقراءة.
إذا لم ننتبه إلى تلك الفريضة الغائبة الآن الآن وليس غدًا، فلا نلومن غير أنفسنا، ولا يحق لأحد من أن يتساءل: لماذا تأخرت الأمة الإسلامية وتقدم غيرها!!