المقال التاسع عشر من سلسلة (الاعجاز الطبى في القرآن والسنة)
اعداد الاستاذ الدكتور/ عبد الحميد محمد صديق استشارى الجراحة العامة
والعجيب أن آيات السمع ذكرت السمع مفرداً والأبصار جمعاً . .. جمع بصر … وقد يكون دلالة الفرد على الجمع واردة إلا في هذا السياق القرآني دلالة على أن هناك أكثر من بصر وهذا ما أثبته العلم حيث وجد أن النهايات العصبية المكونة للشبكية نوعان:
احدهما على شكل مخروطي أو أقماع
والآخر على شكل عصى.
ووجد في هذه النهايات مادة ملونة قرمزية وهى السبب الرئيسي فى بداية عملية الإبصار التي تأخذ شكلاً مفصلاً على حسب نوع النهايات العصبية
وتتم عملية تكوين الصورة عندما يقع الضوء على الشبكية فيتحلل قرمز العين وتتولى إشارات كهربية بعد عملية كيميائية معقدة تنتقل إلى الألياف العصبية ثم إلى مسارات العصب البصرى ثم إلى خلايا مركز الإبصار فى المخ ويتم إدراك الصورة كما بينا قبل.
ـ وتبدأ عملية تمييز نوعى الإبصار من المستقبلات فالأقماع التي يبلغ عددها ستة ملايين تقع في مركز الشبكية في مساحة صغيرة جداً تسمى الماقولة وهذه هي الرؤية النهارية.
ـ أي أن الأقماع هي المسئولة عن الرؤية بالنهار أو في ضوء ساطع وكذلك ترى الكتابة والأشكال والألوان والأرقام.
أما النوع الثاني من الإبصار وهو يحدث بسبب المستقبلات التي تعرف بالعصيات ويبلغ عددها مائة وعشرين مليوناً وهو الإبصار في الضوء الخافت أو الظلام
إن هذه العصيات حساسة جداً للضوء فلذا يمكن إبصار الضوء الخافت بها، وحركة الأشياء دون تفصيلات استعدادا لمعرفة التفصيلات من خلال الماقولة
ويطرح السؤال نفسه الآن ترى لو أدرك الذين جاءهم العلم الآن ماذا أراد الله بهذا مثلا
إن الذين عرفوا الحقيقة في هذه اللحظة ليعجزوا عن تفسير الآية الكريمة التي نزلت قبل أربعة عشر قرناً من الزمن في قوله سبحانه وتعالى: ” وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ايْتَيْنِ فَمَحَونَا ءَايَةَ الَّليْلِ وَجَعَلْنَا ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا “. الإسراء :۱۲ .
فكيف تنمحي آية الليل على شبكية العين لتصبح آية النهار مبصرة؟
الآية المبصرة :
أوضحنا كيف تتكون شبكية العين وهذا هو مفتاح الدخول إلى عالم الإبصار، وأنه يمكن للعين أن ترى فى الليل وفى النهار في الظلام وفي الضوء الساطع، ولكن كيف يمحو ضوء النهار المبهر كل ضوء آخر حتى ولو كانت أسطع الأنوار المخلقة بشرياً. هل تستطيع أية هذه الأضواء أن تقف إلى جوار آية الشمس الخالدة ؟!
إن علماء الطب الغربيين أدركوا وهم لا يدرون عن القرآن شيئاً أنه مجرد وجود الشمس يتحلل ويتكسر ما يعرف بقرمز الإبصار أو ما وصفناه بالعصيات تلك النهايات العصبية الحساسة جدا للضوء فهي تبصر أكثر الأضواء خفوتاً وبتحلل هذا القرمز تفقد العين الحساسية للضوء، وترى فقط بالماقولة، وعندما يجن الليل فإن هذا القرمز يتكون من جديد وتزداد حساسية العين للضوء من جديد. وهنا يبدأ ما يعرف بالإبصار الليلي.
إن البشرية جميعا لتدرك الآن وهى تقف على أعتاب القرن الحادي والعشرين أن الذى أنزل القرآن هو خالق هذه الحواس الدقيقة، وإلا فمن الذي أخبر عنها قبل خالقها، أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد سبق العالم وسبق علوم الإنسانية حينما جاء بالقرآن وأعلن أن آية النهار مبصرة وأن آية الليل تمحى بمجرد ظهور ضوء الشمس الساطع ..
ولقد كانت العبرة أكبر حينما تمكن العلماء من معرفة كيفية تكون هذا القرمز من جديد حيث يبدأ فيتامين ۸ المخزون في الكبد والموجود في الدم بالتحرك ويكون هذا القرمز لتتمكن العين من الرؤية ليلا.
ولقد عرف العلم طريقه الصحيح عندما طابقت إنجازاته آيات القرآن الكريم ولم يحدث حتى هذه اللحظة اصطدام آية حقائق علمية مع ما جاء في القرآن.
واعتقد الناس في أول الأمر أن العين ترى من اشعاعات تنطلق منها للأشياء ولكن العلم الحديث أثبت أن الرؤية تتم بعملية معقدة تبدأ بانعكاس الضوء والأشعة الضوئية المنطلقة من مصدر ضوئي من هذه الاجسام لتستقبلها القرنية فتمر من خلالها الأشعة المنعكسة لتتجمع على العدسة التي تكون صورة واضحة للأشياء المرئية، ولكنها مقلوبة على الشبكية وتقوم الألياف العصبية بنقل الصورة إلى المخ فتعدل ويدركها الإنسان في وضعها الطبيعي وبألوانها.
وهكذا ثبت أن آية النهار مبصرة حقاً لأن الإبصار لا يأتي من العين ولكن لا بد من وجود مصدر ضوئي يبعث بالأشعة لكي تنعكس من الأشياء التي سيراها الإنسان .
وبالرغم من أن أي مصدر ضوئي مثل المصابيح ليلاً أو الشموع أو غيره يمكن أن يقوم بنفس الدور ولكن مع وجود الشمس تنطفئ كل مصابيح البشرية وتخبو كل اضاءة فلا نور مع نور الشمس وتكون الرؤية بهذه الآية الخالدة . وصدق الله العظيم ( وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيتين فمحونَا ايَةَ الَّليْلِ وَجَعَلْنَا ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً “. الإسراء : ١٢ .
الدموع تحمى الأبصار :
بنظرة متأنية نجد أن عملية الإبصار تتم تحت شروط غاية في الدقة، ولو تتبعنا الحكمة العالية من وجود العين في تجويف عظمى قوى مبطن بطبقة دهنية ثم وجود الحواجب لتمنع وصول حبات العرق إلى العين ثم وجود الأهداب كأداة استشعار لأي أذى قد يصيب العين.
إذ يحدث انقباض سريع لعضلات الجفون التي تغلق على العين حارسة لها من هذا العدو، ولقد أنعم الله على الإنسان بذلك الدمع الذي يقوم بأهم عملية تلطف من درجة حرارة سطح العين ( القرنية ) وكذلك تقوم الدموع بترطيب العين وطرد الميكروبات من سطحها بطريقة الغسل الآلي.
ولو تحدثنا عن فسيولوجية الدموع لوجدناها تفرز من الغدد الدمعية طيلة ساعات اليقظة وتتوقف أثناء النوم ومن هذه الدموع المفرزة يتبخر حوالى ربعها ليخفض حرارة سطح العين كما قلنا، ويتم تقليل تكاثر الميكروبات بهذه العملية، وما تبقى يأخذ طريقة لمسار مرسوم ليقوم بترطيب العين حيث تأخذ بقية الدمع طريقها للزاوية الداخلية للعين وتتسرب خلال قنوات شعرية إلى الكيس الدمعى وتنتهى لتجويف الأنف والدموع هي جهاز تنظيف العين من الأجسام الغريبة وتحتوى على انزيمات قاتلة للميكروبات ويزداد إفراز الدموع في عدة حالات منها العواطف الشديدة كالحزن والفرح .. البكاء .. والضحك .. أو حدوث التهابات بالقرنية أو القزحية وكذلك فى حالات شم بعض المواد الكيماوية أو النافذة مثل البصل، وفى المواجهة المفاجئة مع الضوء الشديد .. وفي حالة حدوث أي انسداد خلال عملية تصريف الدموع إن الدموع آية من آيات الله العظيمة ولو جفت الدموع لتعرضت العين للتلف ولفقدت وظيفتها ولما كانت هذه اللمعة الجميلة للعين .. ولما كانت هذه المشاعر النبيلة تتسايل من بين الجفون فتثير العواطف من الآخرين، وتدخل القلوب في القلوب والأرواح في الأرواح إن الدمع رسالة أخرى من رسائل الرحمة في عالم البشر العجيب سبحان القائل جَلَّ في علاه: ” وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُصِرُونَ ” الذاريات : ٢١ .