المقال الثامن عشر من سلسلة (الاعجاز الطبى في القرآن والسنة)
اعداد الاستاذ الدكتور/ عبد الحميد محمد صديق استشارى الجراحة العامة
العين والابصار شيء واحد فى ظاهر اللفظ ولكن الإبصار تعطى بعداً آخر هو تماماً عملية “الإبصار” حتى يعقلها الإنسان بقلبه فيرى العظة بالقلب بعد العين.
لقد من الله على الإنسان بالسمع والبصر وباقي الحواس ليدرك ملكوته العظيم وهذه الحواس التي تعمل كشبكة إلكترونية متكاملة أيضا يمكن أن يفقد الإنسان إحداها وتستمر الشبكة فى عملها لتؤدي الغرض بشكل يثير الدهشة
ومعظم الآيات التي ذكر فيها السمع أعقبة البصر كما في سورة المؤمنون: (وَهُوَ الَّذِي أنشأ لكم السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةُ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ).
لأن الشكر مهما عظم لن يكون فى حجم هذه النعمة العظيمة .. إن الإنسان يتمتع بالنظر ويستخدمه فى اتصاله المباشر بالكون من حوله ورؤية الأشياء، أية معجزة تتم بصورة غاية فى الدقة والتناسق والإبداع ولن يستطيع الإنسان الإبصار بدون عناصر متلازمة ودقيقة التركيب فما هي هذه العناصر وماذا في عين الإنسان من معجزة وقف علماء الطب أمامها حائرين
إعجاز التكوين :
من المنطقي أن تقرأ التفاصيل التشريحية لهذه العين التي ترى الدنيا فكيف تراها. وما هذا الجمال الذى يجذب إذا نظر الإنسان في عين أخية الإنسان فكان الأمر بغض البصر والنهي عن مد هذه العين إلى غير ما أحل الله للإنسان من النساء فتنحسر الفتنة وتمتنع المعصية.
والعين فى الإنسان تكاد تشبه الكرة المستديرة، جدار يحيط بها وفراغ في الداخل به مكونات خاصة أما الجدار فهو مؤلف من ثلاث طبقات الخارجية وهى:
ليفية للحماية، والمتوسطة وهى منبع التغذية لخلايا العين.
ثم الطبقة الداخلية وبها الشبكية التي هي المستقبل الحساس الموجات الضوء.
ولو تأملنا الجزء الليفي لوجدناه يتكون من بياض العين أو ما يعرف بالصلبة ونجد أن الجزء الأمامي منها يعرف بالقرنية، وهو شفاف متلائم مع وظيفته ليسمح بمروره الضوء.
ثم نرى من خلال القرنية قرصاً دائرياً يعرف بالقزحية، وهو الجزء الذى يعطى العين لونها الجميل حيث تحتوى على خلايا صبغية وهذه الخلايا تحدد لون العين إذا كانت قليلة فان العين تأخذ لوناً فاتحاً كالأزرق أو الأخضر، وإذا كانت كثيرة فإنها تمنح العين لونا داكناً كالبني أو الأسود.
وبالقزحية ثقب يسمى (الحدقة) يمر خلاله الضوء داخل العين والحدقة تتسع وتضيق متحكمة في كمية الضوء الداخلة للعين حسب ظروف الإضاءة، ويجد الضوء الداخل في طريقة عدسة شفافة فيمر من خلالها يسقط بعد ذلك على الشبكية بعد اختراقه السائل الزجاجي الشفاف الذى يعطى العين تكورها والحفاظ على شكلها الكروي.
وهذا الضوء القادم إلى الشبكية يتكون فى صورة واضحة عليها، وهذه الصورة تنتقل إلى المخ على هيئة إشارات عصبية من النهايات العصبية الموجودة على الشبكية إلى العصب البصرى وهو الناقل الحقيقي الصور الأشياء ويحدث ما يعرف بالتصلب العصبي ثم يمر إلى القشرة المخية التي تقع في المنطقة الخلفية للمخ.
ـ أما كيف تتغذى العين فإن القدرة الإلهية التي أذهلت العلماء منحت العين شبكة هائلة من الأوعية الدموية تقع فى الطبقة المتوسطة وتحمل الغذاء إلى أجزاء العين المختلفة ومنها تأتى سوائل العين التي تغذى القرنية وعدسة العين وتحافظ على وجود ضغط طبيعي في العين والجزء الخلفي من الطبقة المتوسطة يسمى (المشيمة) أي مشابهة من الناحية الوظيفية لمشيمة الأم الحامل.
ـ وبنظرة سريعة لهذا التكوين التشريحي نجد أن القرنية تحمل نهايات عصبية حساسة جداً وبذلك تعتبر خط دفاع يحمى داخل العين من أي جسم غريب أو التهاب حيث تحدث عملية إغلاق الجفون فواراً إذا لامست جسماً غريباً، وإن أخطر ما يتعرض له الإنسان في هذه القرنية أن تفقد شفافيتها أمام الضوء فإن هذا هو بداية نوع من العمى .. وها هو العلم يصل بعد آلاف السنين إلى عملية زرع القرنية ليبدأ عصر من الاندفاع إلى مزيد من اكتشاف أنفسنا ” وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُصِرُونَ “. الذاريات: ٢١ .
ثم إذا نظرنا إلى الصلبة وهى النسيج الليفي المحيط بكرة العين نجد أن دورها لا يقل عن دور القرنية الشفافة التي يمر من خلالها الضوء للرؤية فهي تمنع مرور أي ضوء من اتجاهات أخرى قد تسبب تشويشاً وتشويهاً للصورة التي من المفروض أن يمر الضوء المكون لها من القرنية ليسقط على الشبكية بشكل متناسق فيعطى ضوء الصورة كما هو.
وهناك أيضا صبغات داكنة موجودة بالطبقة المتوسطة، لتحكم منع مرور الضوء من نافذة غير القرنية، وهذا إبداع ما بعده إبداع إننا امام عملية تتسق مع مبتغاها وهدفها الذي ينطق بحقيقه هذا الكون كله.
إنها حقيقة الرؤية التي من خلالها يستيقظ ضمير البشرية ويعرف أن من أبدع هذا قد أبدع ذاك سبحان الذي أبدع كل شيء صنعاً.
المهمة الدقيقة:
لقد ثبت أن الرؤية عملية معقدة تتم بتكامل وظيفة كل أعضاء أسرة العين فإذا حدث خلل في وظيفة أحد أفرادها من القرنية حتى المخ فهذا سيؤدى إلى إعاقة حتمية لعملية الإبصار والمدهش أن النظر من حيث الوظيفة ينقسم إلى نوعين رئيسيين هما :
ـ أساس الرؤية في الإنسان وقد اصطلح العلماء على تسميتها بالنظر المركزي وهو الخاص برؤية التفاصيل والألوان فى وجود الضوء أياً كان مصدره من الشمس أو غيرها.
ـ والآخر هو النظر الطريفي وهو خاص بالرؤية فى الضوء المعتم أو الظلال وهو أيضا يتولى تمييز حركة الأشياء ويتكامل هذان النوعان في أداء مهمة الرؤية ويمكن أن يرى الإنسان شخصاً قادماً فيتعرف إلى مشيته وشكله الخارجي.
ثم يحتاج إلى النظر المركزي للتدقيق في تفاصيل وجهه وجسمه وادق من ذلك. وهنا تبرز عملية تكامل مع الحواس الأخرى لاسترجاعه من الذاكرة، صوتاً وخلقاً، وعلماً واسماً وغيره من ملامح الشخصية التي تميزه عن الآخرين الموجودين فى نفس الذاكرة ..
وكلمة الرؤية الطرفية أي أن الإنسان يرى بطرف الشبكية.
والمركزية أي أن الإنسان يرى بالمركز من الشبكية، ولو نظرنا إلى الشبكية .. أو الشبكة كما أطلق عليها أجدادنا علماء الطب من العرب لوجدنا آية الوجود كله لأن الحياة بأسرها بألوانها وجمالها وحركتها تستقبل على هذه اللوحة التي هي نهايات عصبية حقيقة لعصب الرؤية، الذي يحمل رقم فى أعصاب المخ ويحمل الصورة المستقبلة من نهاياته إلى مركز الإبصار في الجزء الخلفي من المخ …
والنهايات العصبية التي هي شرط من شروط صفاء الصور الواقعة عليها لا تتأثر بعدد الطبقات الكثير هذا ، وفى تقدم سريع لعالم الطب أدرك العلماء أن هذه النهايات العصبية ليست كلها ذات شكل واحد. وعندما أمعنوا النظر في هذه المسألة أدركوا أن اختلاف الشكل يؤكد ضرورة اختلاف الوظيفة ولو بشكل بسيط إلا أنه اختلاف كبير جاء به القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً من الزمان ” وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَرَ وَالْأَفْئِدَةُ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ “. المؤمنون ۷۸ .