الاقتصار على الصحيحين: جريمة أصولية فقهية

بقلم الشيخ : صالح علي صالح الفقي
الموجه العام بوعظ الأزهر الشريف – ومشرف لجان فتوى الأزهر بمنطقة وعظ كفر الشيخ سابقا

إنَّ الاقتصار على الصحيحين، وجعلُهما المصدر الوحيد لفهم السنة، انحراف علمي خطير له آثار أصولية وفقهية جسيمة.

صحيحا البخاري ومسلم تاج السنة وذروة سنامها، لكنهما لم يقصدا استيعاب كل الأحاديث الصحيحة، بل قال البخاري: “ما تركتُ من الصحيح أكثر”، وفي السنن الأربعة والمسانيد والموطأ وغيرها أحاديث صحيحة كثيرة لم يخرجاها.

لماذا الاقتصار جريمة أصولية؟

لأن أصول الفقه تقوم على الاستقراء التام للنصوص، واستخراج القواعد لا يتم إلا بجمع الأدلة من مختلف المصادر. فإغفال كتب السنن والمسانيد يُفقد الفقيه القدرة على ضبط القواعد على أتم وجه.

ولأن باب العام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ لا يُفهم إلا بجمع أطراف الحديث، وهو ما لا يكفي فيه الاقتصار على الصحيحين.

ولأن العمل بالزيادة أو الترجيح بين الروايات يحتاج إلى تتبع الطرق المختلفة، وهو لا يتم بقراءة مصدرين فقط.

آثاره الفقهية المدمرة:

الاكتفاء بالصحيحين يؤدي إلى نقص في المادة الاستدلالية، فتسقط أحكام أو تُبنى على تصور ناقص. وقد يفتي الفقيه بخلاف ما عليه جمهور الأمة لأنه لم يطّلع على أحاديث صحيحة خارج الصحيحين تؤثر في المسألة.

التوازن المنهجي:

نعم، في الصحيحين غُنية للمبتدئ عن الانشغال بالضعيف والموضوع.

لكن طالب العلم الجاد، والباحث الأصولي والفقهي، لا يقف عندهما، بل يجمع ما صح من مظان السنة كلها، ويوازن بينها، ويميز صحيحها من سقيمها.

السنة بحر زاخر، والصحيحان درّتان عظيمتان فيه، لكن البحر لا يُختزل في درّتين. ومن يجعل الصحيحين كل السنة، فقد حرم نفسه من ثروة علمية وفقهية هائلة.