الإخلاص هو أساس العمل

بقلم الشيخ : عبد الرحمن محمد يحيى الكتاني الأزهري

 

قال الله تعالى ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )

 والخالص اي: الصافي من كل ماء يشوبه من رغبه في الثواب أو رهبة من العقاب أو طلباً بحظ النفس من ترقي في معارج القبول أو حصول حظوه وشهره بين الناس بل لا يشرك بعبادة ربه أحدا وهو نفس معنى قوله تعالى ﴿ وله الدين واصبا ﴾ أي خالصا.

قال ابو القاسم القشيري رحمه الله تعالى معرفاً الإخلاص: والإخلاص إفراد الحق سبحانه في الطاعه بالقصد وهو أن يزيد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنع لمخلوق او اكتساب محمدة عند الناس أو محبة مدح لمخلوق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى

وقال: ويصح أن يقال الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.

وقال ابو علي الدقاق رحمه الله تعالى: الإخلاص والتلقي عن ملاحظة الخلق والمخلص لا رياء له.

وقال الإمام الجنيد رحمه الله تعالى: الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله.

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: ترك العمل من اجل الناس رياء والعمل من اجل الناس شرك والاخلاص أن يعافيك الله منهما.

وقال شيخ الاسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى: حق المخلص إلا يرى اخلاصه ولا يسكن اليه. فمتى قال فذلك لم يكمل اخلاصه بل سماه بعضهم ضياء هذه الاقوال والعبارات المتنوعه في الاخلاص ترجع الى مقصد واحد وهو الا يكون للنفس حظ في عمل من الاعمال التعبديه الجسميه منها والقلبيه والماليه وإلا يرى إخلاصه فالإخلاص له اهميه في الكتاب والسنة لو لم يكن له اهميه في كتاب الله تعالى وسنه حبيبه ﷺ فما كان قبول الأعمال موقوفا على وجود الاخلاص فيها أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاه والسلام بالإخلاص في عبادته تعليما لهذه الأمة فقال: (قل اني امرت ان اعبد الله مخلصا له الدين) وقال (قل الله اعبد مخلصا له ديني)

وقال عز وجل(اعبد الله مخلصا له الدين) كما أمر الله تعالى خلقه ان تكون جميع عباداته القولية والفعلية والمالية خالصة الله تعالى بعيده عن الرياء فقال: وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين واوضح الحق سبحانه ان السبيل الى لقاء الله.

شوائب الإخلاص في أعمال السالك :
قد تدخل على السالك آفات كثيره تشوب إخلاصه وما هذه الآفات إلا حجب تعرقل سيره الى الله تعالى لذا كان من الضروري الإشارة إليها وتحذير السالكين من مخاطرها ثم بيان طريق الخلاص منها حتى تكون جميع اعمال السالك خالصه لوجهه تعالى

الحجاب الاول: رؤيته لعمله واعجابه به وحجابه به عن المعمول له وبالعباده عن المعبود فالذي يخلصه من رؤيه عمده علمه بفضل الله تعالى عليه وتوفيقه له وانه مخلوق هو وعمله لله تعالى والله خلقكم وما تعبدون إلا أن له نسبه الكسب فقط واذا دقق في صفات النفس وعلم انها كما وصفه الله تعالى ﴿ان النفس لأماره بالسوء ﴾ أدرك ان كل خير يصدر منهم هو محض فضل من الله تعالى ومنه وعندئذ يتذوق معنى قوله تعالى ﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما ذكى منكم احدا ﴾ فتخلص العبد من رؤية اعماله وإعجابه بها تكون بمعرفه نفسه ومعرفه خائلها فليجتهد الإنسان في تحصيل هذه المعرفه

الحجاب الثاني: طلبه العوض لعمله والعوض اما ان يكون في الدنيا أو في الاخرة اما الذي يكون في الدنيا فضله الشهوات المنوعه ومنها شهوة السمعة والشهره وحب الظهور وغير ذلك فكذلك طلبه للأحوال والمقامات والمكاشفات والمعارف ولهذا يقول العارف الكبير الشيخ ارسلان رحمه الله تعالى ناصحا كل ملتفت الى غير مطلوبه ومحبوبه وقصوده:( يا أسير الشهوات والعبادات يا اسير المقامات والمكاشفات انت مغرور) وانما كان اسيرها لانها من جمله الاغيار ومن عالم الخلق والوقوف عندها قاطع عن الوصول إلى معرفة خالقها تعالى.

قال تعالى( وإن إلى ربك المنتهى ويقول الشيخ النابلسي رحمه الله تعالى معلق على كلامه:( اذ لو كنت صادقا ما التفت الى شهوه او عباده ولا مقام ولا مكاشفه ولا افردت القصد اليه تعالى وحده دون جميع ما عداه ولا جردت العزم والهمه فيه تعالى وتركت ما سواه ثم قال ونقل ابن عطاء الله السكندري في التنوير في اسقاط التدبير عن شيخه ابي العباس للمرسي رضي الله عنه انه يقول: لن يصل الولي الى الله حتى تنقطع عنه شهوه الاصول الى الله تعالى. ومن كلام بعضهم لو رفعت الى ذروه الاكوان وتلقيت الى حيث لا مكان ثم اغتررت بشيء طرفه عين فلست من اولي الالباب .

ويقول ابن الفارض رحمه الله تعالى قال: لي حسن كل شيء تجلى بيتملى فقلت قصدي وراك فالالتفات الى حسن المكونات والمخلوقات والوقوف عندها اغترار وانقطاع .

ويقول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى: ما ارادت همة سالك ان تقف عندما كشف لها الا نادته هواتف الحقيقة الذي تطلب امامك وطلب العبد لهذه المقامات وغيرها شهوة خفية وذلك اما ان ينالها فاطمئن اليها فيحجب بها على المقصود واما ان لا ينالها عندما صار اليها إلا انه جعلها غاية والله تعالى وسيله اجتهدوا تحصيدها ولا يصلون عزمه ويقنط وييأس وعندئذ يرجع القهقره الا اذا لاحظته العناية بارسال المرشدين لا يمكنه التخلص من هذه الورطه وإلا دام منقطعا وانقلب على وجهه خاسرا واما طلب العوض في الاخره فدخول الجنة والنجاة من النار وتصحيح سياره ان يعتقد ان دخول الجنه برحمه الله تعالى لا بعمله فقال روي عنه عليه الصلاه والسلام (لن يدخل احدكم الجنه بعمله قالوا ولا انت يا رسول الله قال؟قال :ولا انا إلا ان يتغمدني الله برحمته

والحجاب الثالث :رضاه عن اعماله واغتراره بها وتخليصه وانقاذه من رضاه بعمله يكون بشيئين:

1- اطلاعه على عيوبه في اعماله فقل عمل من الاعمال الا وللشيطان فيه نصيب وللنفس في حظ اما نصيب الشيطان فقد ارشدنا اليه رسول الله ﷺ عندما سئل عن التفاف الرجل في صلاته فقال واختلاس يختلسه الشيطان من صلاه العبد يقول ابن القيم الجوزيه رحمه الله تعالى :فاذا كان هذا الالتفات طرفه او لحظه فكيف التفات قلبه الى ما سوى الله تعالى هذا اعظم نصيب للشيطان من العبوديه. واما حظ النفس من العمل فلا يعرفه الا اهل البصائر من العارفين

2- علم العبد لما يستحقه الرب جل جلاله من حقوق العبوديه وادابها الظاهره والباطنه وشروطها فوجدته : العبد بالليل والنهار يرى نفسه مقصرا تجاه الله تعالى واين العبد العاجز الضعيف من خالق الاكوان بهذا بيننا لنا حضره الله ان موقف خلقه منه التقصير فقال ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾

والخلاصه ان الاخلاص تصفيه العمل من العلل والشوائب سواء اكان مصدرها التعلق بالخلق كطلب مدحهم وتعظيمهم والهرب من ذمهم او كان مصدرها التعلق بالعمل كالاغترار به وطلب العرض عنه اذا فإن اهل الهمم العالية اخلصوا دينهم لله وسمعوا نداء الله في قلوبهم ففروا الى الله تعالى فاستجاب بهاتف الحق فقال قائلهم ملبيا له تركت الناس كلهم ورائي وجئت اليك.