يعود السبب في حرب الفِجَارِ إلى مقتل عروة بن عتبة بن كلاب غدرا على يد البراض بن قيس الكناني، وكان عروة قائماً على تأمين قافلة النعمان بن المنذر التجارية في سوق عكاظ، وتسبب هذا الحادث في توتر العلاقة بين قبيلتي قريش وكنانة، وبين قَيْس عَيْلان، مما أدى إلى اندلاع حرب الفِجَارِ، وسميت بحرب الفِجَارِ؛ لانتهاك حرمة الشهر الحرام فيها، وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ينبل على عمومته؛ أي يجهز لهم النبل للرمي، وقد ظلت أربعة أعوام، وكان عمر (محمد) صلى الله عليه وسلم في أثنائها بين الخمسة عشر، والتسعة عشر تقريباَ، وكانت هذه الحرب بمثابة التربية الربانية للنبي صلى الله عليه وسلم على الواقع الجاهلي الذي نشأ بلا أساس ولا مبدأ، فينتهكون الأشهر الحرام والبلد الحرام، ويأكل القوي منهم الضعيف.
حلف الفضول وسبب هذا الحِلف: رجل يسمى العاصي بن وائل السهمي، وكان مشهورا بالنصب والاحتيال، وأكل أموال الناس بالباطل، كما حدث لخبّاب بن الأرت، وكان خباب حداداً، فصنع سيفا للعاصي، وطلب منه ثمنه، فقال العاصي: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، فقال له خبّاب: لا أكفر حتى يميتك الله، ثم يبعثك، فقال العاصي: وإني لميّت ثم مبعوث؟! قال: بلى، قال: دعني حتى أموت وأبعث، فَسَأُوتَى مالا وولدا، فَأَعطِيكَ حقّ السيف فنزلت الآيات: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}[مريم: 77 – 80].
أما عن السبب المباشر لحِلف الفضول فهو أن رجلًا من زُبَيْد قدم مكة ببضاعة، واشتراها منه العاص بن وائل، وحبس عنه حقه، فاستغاث بالأحلاف عبد الدار ومخزومًا وجُمَحًا وسَهْمًا وعَدِيّا فلم يكترثوا له، ولم ينتفضوا لنصرته، فعلا جبلاً من جبال مكة، ونادى بأشعار يصف فيها ظلامته رافعًا صوته، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب، وقال: ما لهذا مُتَرّكٌ؟ حتى اجتمع مَن مضى ذكرهم في حِلف الفضول، فعقدوا الحِلف ثم قاموا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه حق الرجل الزُّبَيْدي.
وكان اجتماعهم في دار عبد الله بن جُدْعان التيمى؛ لكبر سِنِّه وشرفه، فتعاقدت قبائل من قريش: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وشهد هذا الحلف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر عن هذا الحِلف بعد أن أكرمه الله بالرسالة: “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت”.
وفي هذا تربية نبوية عملية على اتباع الحق مهما كان قائله، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: 2]، وفي هذه الآية لم يُذكر معمولُ التعاون؛ لفتح باب التعاون على البر والتقوى مع أي أحد ولو كان من غير المسلمين، وغلق باب التعاون على الإثم والعدوان تماما مع أي أحد، ولو كان من المسلمين.
ولا يتجرد لاتباع الحق حتى من عدوه ولا ترك الباطل حتى مع صديقه إلا من أخلص الاتباع لله الحق المبين.