خطبة الجمعة ((نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ)) للدكتور أيمن حمدي الحداد
26 يوليو، 2025
خطب منبرية

خطبة الجمعة ((نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ))
للدكتور : أيمن حمدي الحداد
عناصر الخطبة:
♦ أولاً: الماء من أعظم النعم.
♦ ثانياً: حرمة الإسراف فى الماء.
♦ ثالثاً: فضل سُقيا الماء.
نص الخطبة
الحمد لله المتفضل على عباده بالنعم أحمده حمداً يليق بكماله وجلاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد أثبت العلم استحالة الحياة على وجه الأرض دون الماء لارتباط الأنشطة البشرية المختلفة به، ولأنه المكون الهام في تركيب الخلية الحية، حيث يدخل في تكوين جميع خلايا الكائنات الحية بمختلف صورها وأشكالها وأحجامها وأنواعها، ممّا يؤكد على أهمية الماء فى حياة جميع المخلوقات؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾(الأنبياء: ٣٠)، إن كلمة الماء هي المرادف لكلمة الحياة، والماء يعنى الزراعة والغذاء، والشراب والطاقة، ويصل الأمر إلى أن حجم الأراضي الزراعية يتحدد في كثير من دول العالم ليس فقط بحجم الأراضي القابلة للزراعة ولكن بكميات المياه العذبة المتوفرة فيها لذلك كان الماء من أعظم نعم الله عز وجل التى تستوجب الشكر.
♦ أولاً: الماء من أعظم النعم؛ قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾(الواقعة: ٦٨- ٧٠)، وقال تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾(عبس :٢٤-٣٢)، وقال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾(الحجر:٢٢)،
– الماء من أعظم نعم الله علينا فبدونه لا يعيش إنسانٌ ولا حيوانٌ ولا ينبت زَرْعٌ ولا شَجَر، فمِنَ الماءِ يَشربُ الإنسانُ ومنهُ يَخرجُ المَرعَى، وبهِ تُكْسى الأرضُ بِساطاً أَخضرَاً فتبدو للناظرين أَجْملَ وأَنضرَ؛ قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(النَّحْلِ: ١٠- ١١)، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(الْأَنْعَامِ: ٩٩)،
– ونعمة الماء من النعيم الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾(التكاثر: ٨)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «أوَّلُ ما يسألُ عنْهُ العبدُ يومَ القيامةِ من النَّعيمِ أن يقالَ لَهُ ألم نُصحَّ جسمَكَ ونروِكَ من الماءِ الباردِ» رواه الترمذي.
ولقد كان سيدنا رسول الله ﷺ حفياً بنعم الله يعظمها ويشكرها، فكان إذا أكل أو شرب قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» رواه أبو داود.
– لكن هناك صنف من الناس تَعوَّدُوا وجود النعم وأَلِفُوها فهم تحت تأثير هذا الإِلْفِ وهذهِ العادةِ قد ينسون قدرها لأنها دائماً حاضرةٌ بين أيديهم، فينسون شكرها، ونعمة الماء لو فقدت ولو لزمن يسير حينها يعلم العبد عظيم فضل الله عليه، وأن فقدها جسيم؛ قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾(الملك: ٣٠)، كذلك فإن عذوبة الماء نعمة فلو كان مِلحاً أُجاجاً فمن يستسيغه وينتفع به؛ قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُون﴾
(الواقعة: ٦٩- ٧٠)،
– لقد دخل ابن السماك على الرشيد فاستسقى الرشيد ماءً؟ فقال له ابن السماك: بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها؟
قال: بنصف ملكي.
قال: لو منعت خروجها بكم كنت تشتريه؟
قال: بنصف ملكي، فقال: إن ملكًا قيمته شربة ماء لجدير ألا ينافس عليه.
– لقد حث الإسلام الحنيف على المحافظة على نعمة الماء بكافة الوسائل فدعا إلى تغطية أواني الماء لحمايته من الملوثات التي قد تنتقل إليه من الهواء أو الحشرات الناقلة للجراثيم والطفيليات؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «غطوا الإناء وأوكوا السقاء فان في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء» رواه مسلم.
– لقد أكد سيدنا رسول الله ﷺ على ضرورة المحافظة على طهارة الماء وسلامته حيث نهى عن النفخ في الشراب ليحميه من نفس الشارب ورائحة فمه كي لا يتلوث؛ فعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النَّبيّ ﷺ: «نَهَى أَن يُتنَفَّسَ في الإِنَاءِ، أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
لأن الشارب الأول قد لا يشرب الماء كله، وقد يحتاج بقيته شخص آخر.
– وكذلك نهي سيدنا رسول الله ﷺ عن الشرب من فم السقاء مباشرة؛ فعن أَبي سعيدٍ الخدْرِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ نَهَى رسولُ اللَّه ﷺ: «عنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ. يعني: أَنْ تُكسَرَ أَفْوَاهُها، وَيُشْرَب مِنْهَا» متفقٌ عَلَيْهِ.
♦ ثانياً: حرمة الإسراف فى الماء أو تلويثه؛ لقد أقام الإسلام منهجه على الأمر بالتوسط والاعتدال في كل تصرفات الإنسان، وأقام بناءه كله على الوسطية والتوازن والقصد.
– فالإسراف يعتبر سبباً من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها، مما يؤدي إلى إهلاك الحرث والنسل، وتدمير البيئة؛ قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾(الأعراف: ٣١)، وقال تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾(الإسراء: ٢٦-٢٧)، لذلك دعا الإسلام أتباعه إلى ترشيد الإستهلاك من أجل حماية التوازن البيئي فيما يتعلق بالماء وغيره من الموارد الطبيعية.
– ولأهمية الماء وضرورته للحياة وقفت شريعتنا الغراء ضد الإسراف في استهلاكه، سواء في أغراض الشرب أو الزراعة أو الصناعة، أو حتى في مجال العبادات؛ فعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: «كُلُوا، واشْرَبُوا، والبَسُوا، وتصدَّقوا، من غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلَا سَرَفٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى نِعْمَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ» رواه أحمد.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» رواه أحمد وابن ماجه.
– ولقد كان ترشيد الإستهلاك من هدي سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أَنس رضي الله عنه قال: «كانَ النبيُّ ﷺ يَغسِلُ، أو كانَ يَغتسِلُ بِالصَّاعِ، إلى خَمسةِ أَمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ» رواه أحمد ومسلم.
وعن عائشة رضي الله عنه: «أنها كانت تغتسل هي والنبي ﷺ في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك».
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «اقْتَصِدْ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ»
– وجاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: يـا بن عباس كم يكفيني من الوضوء؟
قال: مد، قال: كم يكفيني لغسلي؟
قال: صاع.
فقال الرجل: لا يكفيني!!
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا أم لك! قد كفى من هو خير منك، رسول الله ﷺ.
وقال محارب بن دثار: كان يقال: من ضعف علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور.
– عباد الله: إذا كان الإسراف في الماء واهداره لا يحوز؛ فإن الإسلام قد حَرَمَ كذلك كل تصرف يؤدي إلى تلويث الماء، فعن جابر رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» رواه مسلم.
وعنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي»
وعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ ﷺ:
«اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» رواه أبو داود.
ويلحق بذلك إلقاء القاذورات والقمامة والمخلفات وكل ما يعكر صفو الماء.
– ويُعد الاعتداء على الماء بأى وسيلة محرمة اعتداء على حق المجتمع كله؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾(الأحزاب: ٥٨)،
ولقد قرر الإسلام مبدأ لا ضرر ولا ضرار، ومما لاشك فيه أنه لا ضرر أشد من الضرر الذى يقع بسبب تلويث الماء الذى هو مصدر الحياة.
فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على نعمة الماء واعلموا أن الماء حق مشترك بين جميع الناس.
أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد: فيا أيها المسلمون: لقد تجلت قدرة ربنا تبارك وتعالى فى خلق جميع الدواب من الماء قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(النور: ٤٥)، فالماء هو سر الحياة لذلك حرم ديننا الحنيف منعه مع القدرة على بذله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي ﷺ: «يقولُ اللهُ: «استطعَمتُك فلم تُطعِمني، قال: فيقولُ: ياربِّ! وكيفَ استَطعمتَني، ولم أُطْعِمْك، وأنت ربُّ العالمينَ؟ أمَا علِمتَ أنَّ عَبدي فلانًا استطعَمَك فلم تُطْعِمْهُ؟ أمَّا علِمتَ أنَّك لَو كُنتَ أطعمتَهُ لوجَدتَ ذلكَ عندي؟ ابنَ آدمَ ! استَسقيتُك فلَم تَسقني،
فقال: يا ربِّ! وكيف أَسقيكَ وأنتَ ربُّ العالَمينَ؟
فيقولُ: إنَّ عبدي فلانًا استسقاك فلم تَسْقِه، أمَّا علِمتَ أنَّك لَو كنتَ سَقيتَه لوجدتَ ذلكَ عندي؟ يا ابنَ آدمَ! مَرِضتُ فلم تَعُدني،
قال: يا ربِّ! كيفَ أعودُك وأنتَ رَبُّ العالمينَ؟
قال: أمَّا علِمتَ أنَّ عبدي فُلانًا مريضٌ، فلو كُنتَ عُدْتَه لوجدتَ ذلكَ عِندي؟ أو وجدتَني عندَه؟» رواه مسلم.
♦ثالثاً: فضل سُقيا الماء؛ إن لسُقيا الماء فضائل عظيمة وجليلة فى الدنيا والآخرة من ذلك؛
– التصدق بسُقيا الماء من أعظم القربات، لما قدِم المهاجرون المدينة المنورة لم يستسيغوا ماءها، وكان بئر رومة من أعذب مياه الآبار في المدينة، فكانوا يستقون منه بالثمن، فأرهقهم ذلك، فعندئذٍ حثَّ رسول الله ﷺ أصحابه إلى شراء بئر رومة والتبرع به للمسلمين، ووعد على ذلك بعين في الجنة، فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه وجعلها وقْفاً للمسلمين، فعن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه حِينَ حُوصِرَ، أَشْرَفَ عليهم وقالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، ولَا أَنْشُدُ إلَّا أَصْحَابَ النبيِّ ﷺ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: مَن حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ، فَحَفَرْتُهَا؟ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ قالَ: مَن جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ، فَجَهَّزْتُهُمْ؟ قالَ: فَصَدَّقُوهُ بما قالَ» رواه البخارى.
– من سقى الماء يسقيه الله من الرحيق المختوم في الجنة، قال رسول الله: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.
– مغفرة الذنوب؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «أنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا في يَومٍ حارٍّ يُطِيفُ ببِئْرٍ، قدْ أدْلَعَ لِسانَهُ مِنَ العَطَشِ، فَنَزَعَتْ له بمُوقِها فَغُفِرَ لَها» متفق عليه.
قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء.. تفسير القرطبي.
– سُقيا الماء من الصدقات الجارية، عن الآباء والأمهات، والبنين والبنات، والأنفس والذوات، لقد جاء سعد بن عبادة رضي الله عنه إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها ؟ قال: نعم. قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟
قال: «سقْيُ الماءِ» رواه النسائي.
– فى كل كبد رطبة أجر؛ فعَنْ أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليه العطشُ، فوجد بئرًا، فنزل فيها فشَرِبَ، ثم خرج فإذا كلبٌ يلهثُ، يأكلُ الثَّرَى من العَطشِ، فقال الرَّجلُ: لقد بلَغَ هذا الكلبُ من العطشِ مثلَ الذي كان قد بلَغَ منِّي، فنزل البئرَ فملأ خُفَّه ماءً، ثم أمْسكَه بفِيه، حتَّى رَقَى فسَقَى الكلبَ، فشَكَرَ له، فغَفَرَ له» قالوا: يا رسولَ اللهِ إنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ فقال: «في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ» متفق عليه.
– حث النبى ﷺ بنى عبد المطلب على سُقيا الماء؛
ففي حَجة الوداع قال ﷺ: «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ»، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ» رواه مسلم.
– سُقيا الماء من أعظم الأبواب التي تقود إلى الجنان؛ قال تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾(محمد: ١٥)،
– مدوامة الأسقام بسُقيا الماء؛ فعن ابن شقيق: سمِعت ابن المبارك وسأله رجلٌ عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سَبْعِ سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع بما أعطوه، فقال له ابن المبارك: اذهب فاحفر بئراً في مكان يحتاج الناس فيه إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ بإذن الله،،
سير أعلام النبلاء للذهبى.
– سُقيا الماء بحفر الآبار في الأماكن التي يحتاج إليها الناس، وهذا أمر ميسور؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى مِنْ جِنٍّ وَلاَ إِنْسٍ وَلاَ طَائِرٍ إِلاَّ آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه ابن خزيمة في صحيحه.
فاتقوا الله عباد الله: واحذروا أشد الحذر من البخل بالماء، أو منعه عمن يحتاجه، واعلموا أن من فعل ذلك كان من الآثمين، الموعودين بغضب رب العالمين، والمطرودين من رحمته التي وسعت كل شيء؛ يقول سيدنا رسول الله ﷺ: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ -وذكر منهم- وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ» رواه البخاري.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة
كتبه راجى عفو ربه
أيمن حمدى الحداد
الجمعة ٧ من صفر ١٤٤٧ هجرياً
الموافق ١ أغسطس ٢٠٢٥ ميلادياً