شرب الحشيش
26 يوليو، 2025
قضايا شرعية

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى
بعد الفتوى التي أثيرت حول شرب الحشيش نقول وبالله التوفيق:
العقل بمثابة فرامل السيارة أو كابح العربية الذي إذا خلت منه سيارة فلا يَتحكم فيها أحد؛ لذا فإنها تؤذي نفسها وتؤذي صاحبها وتؤذي من حولها، وكذلك الإنسان إذا غاب عقله أو غُيِّب بفعل فاعل، فإنه يؤذي نفسه ويؤذي من حوله، وهذا مشاهد وظاهر للعيان من الأخلاق القبيحة والأفعال البشعة التي تصدر من البلطجية والحشاشين.
والشرع الحنيف ليس بالسذاجة الذي يُحرم نوعا من أنواع الخمر ولا يحرم نوعا آخر بل القاعدة العامة التي أقرها النبي صلى الله عليه وسلم للحفاظ على العقول هي: “كل مسكر حرام”، ولا يشترط الإسكار الكامل للحكم بالتحريم ـ كما تدعي هذه الفتوى ـ بل الإسكار الجزئي سلم للإسكار الكامل؛ ولهذا منع الشرع قليل الخمر وكثيره، وأما أباح الشرع تعاطي ما يُسكر العقل إلا في حال الضرورة النادرة ـ والتي تظل في نطاقها النادر الضيق ـ أو التداوي كاتخاذ البنج تحت إشراف طبي كامل، وما عدا ذلك فهو حرام بنص هذه القاعدة النبوية.
وأحد مقاصد الشريعة العظمى هو الحفاظ على عقول الناس من تعاطي المُسكِر أو إسكار الغير بالإكراه.
كما أن العقل نفسَه والشرع يؤيده لا يرادان الوقوف عند مجرد عقل لا يَسكر ولا يشرب الخمر، بل يريدان للعقل أن يتحرر من سلطان الخرافة والوساوس، والسحر والشعوذة والتبعية والتقليد ومن سائر الأوهام.
كما يتطلعان كذلك إلى الارتقاء بالعقل وإعماله وعدم إهماله، وتشغيله وعدم تعطيله، فيتدبر ويتفكر ويتأمل ويخترع ويبتكر وينموا ويتقدم ويكتشف ويُجدد، كما في حال بعض المهندسين من الشباب الذين توصلوا إلى اختراع جهاز يولد الماء من رطوبة الهواء، وشباب آخرون يتوصلون من خلال الذكاء الاصطناعي والريبورتات الصناعية إلى إجراء عمليات جراحية دقيقة عن بُعد مما يوفر للدكاترة والأطباء الوقت والجهد والسفر، وهناك جامعة عربية ليس فيها حضور ولا غياب ولا مناهج ولا كتب، ولا تدريس ليس فيها إلا شيء واحد للنجاح، وهو أن يخترع الطالب شيئاً ينفع الناسَ، ويفيد البشرية، وغيرها كثير من الاختراعات التي لا حصر لها، والتي أساسها إعمال العقل.
لذلك عندما نبحث عن كلمة العقل في القرآن لا نجدها بلفظها إطلاقاً، وإنما الموجود في القرآن هو اشتقاقات العقل التي تدل على مهامه ووظائفه التي أرادها الله له، مثل: (لعلهم يعقلون)، (لعلكم تعقلون)، (لقوم يعقلون)، (لقوم يتفكرون)، (لأولي الألباب)، (لأولي النهى)، (أفلا يتدبرون)، مما يدل على أن العقل بذاته لا قيمة له، وإنما قيمته في عمله وتطويره وحسن استخدامه، في التنمية البشرية وتطوير الذات ونفع البلاد والأوطان.