بقلم الدكتور : فارس أبوحبيب إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
في هذه الأيام، ترتجف القلوب، وتتسارع الأنفاس، وتضطرب البيوت، مع اقتراب إعلان نتيجة الثانوية العامة.
كل بيت تقريبًا فيه قصة، وكل أسرة تنتظر وكأن مصيرها كله معلق على رقم من ثلاث خانات، ناسين — أو متناسين — أن النتائج تُعلن في السماء قبل أن تُنشر على الورق، وأن الأقدار بيد الله، لا بيد الكنترول.
أولاً: تذكير إيماني مهم: أيها الأب، أيتها الأم، أيها الطالب، تذكّر قول الله تعالى: “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ” [البقرة: 216]
وأن النبي ﷺ قال: “واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك” [رواه الترمذي]. النتيجة ليست قدرًا أبديًا، بل لحظة عابرة، لا تُحدّد مصيرًا ولا تُغلق الأبواب.
كم من ناجح في الثانوية فشل في الحياة! وكم من راسب فيها أصبح علمًا ونجح نجاحًا مدوّيًا.
ثانيًا: رسالة إلى أولياء الأمور:
لا تجعلوا من النتيجة معركة كرامة! ابنكم ليس مشروع انتقام من الماضي، ولا وسيلة للتفاخر أمام الجيران. إياكم والضرب والإهانة والإذلال. قال النبي ﷺ: “ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا” [رواه أحمد].
أنتم الملاذ، لا السيف. فكم من طالب بكى تحت وسادة الإحباط لأن والده قال له: “ضيعتني، ما ليش ابن”، وكأن النتيجة شهادة حياة أو موت! دعوة في لحظة رضا منكم قد تفتح له أبواب السماء، فادعوا لهم لا عليهم.
ثالثًا: إلى أبنائنا الطلاب والطالبات:
– اعلم أن الله لا يُقيمك بدرجاتك، بل بإيمانك، بصبرك، بأخلاقك، بعلاقتك بأهلك. – قصور اليوم قد يكون أنجح خطوة لغدٍ أجمل. كم من طبيب ناجح بكى يوم النتيجة، وكم من طالب حصل على درجات ضعيفه صار من أصحاب المشاريع الناجحة. – لا تفكر في الانتحار، فهذه كبيرة من الكبائر، وخسارة للدنيا والآخرة، والله يقول: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” [النساء: 29] – تعلّم أن ترضى، وتنهض، وتخطط، فإن الحياة أوسع بكثير من “نتيجة ثانوية”.
رابعًا: لا للعَيْر والتَّشْهير: بعض الجيران والأقارب لا يتقنون إلا القسوة، كأن النتيجة معركة يتلذذون بخسارة غيرهم فيها. قال النبي ﷺ: “من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة” [رواه مسلم]. لا تعايروا من رسب، ولا تُظهروا الشماتة، فإن الدوائر تدور، والله أعلم بالنهايات.
خامسًا: نصائح عملية للطرفين:
* للأهل: 1- احضنوا أبناءكم في هذه اللحظة، حتى لو خابت التوقعات. 2- ذكّروهم أنكم فخورون بهم لا لدرجاتهم، بل لجهدهم. 3- ساعدوهم على تجاوز الأمر بخطة جديدة، وطريق بديل.
* للطلاب: 1- لا تسمح للنتيجة أن تُعرّفك: أنت أكثر من رقم. 2- خذ استراحة، ثم ارسم خطة عملية للمستقبل. 3- احذر من العزلة والانطواء، وشارك همّك مع من تحب.
النجاح الحقيقي ليس شهادة، بل مسيرة. والفشل الحقيقي ليس سقوطًا، بل توقفٌ عن المحاولة. علموا أبناءكم أن كل باب يُغلق، تُفتح بدله أبواب، وأن الله يُربّي عباده بالمنع كما يُربّيهم بالعطاء. فلا تحزن إن كانت النتيجة دون المأمول، فربّ خيرٍ لم تدركه إلا بعد “صفر في شهادة”.