حصون الأسرة المسلمة


بقلم د.إيمان إبراهيم عبد العظيم

مدرس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر – واعظة بوزارة الأوقاف

 

تعد الأسرة بالنسبة للمجتمع بمثابة القلب من الجسد ، إذا صلح صلح الجسد كله، و للأسرة في الإسلام شأن عظيم، فهي الأساس الذي بقدر ما يكون راسخًا متينًا، يكون صرح المجتمع وبناؤه شامخًا منيعًا، لما يختزنه من عوامل القوة والحيوية والنماء.

ومن ثم كانت عناية الإسلام بمؤسسة الأسرة عناية بالغة وفي غاية الدقة والشمول.

و حيث يتكون المجتمع من عدة أسر و الأسرة تتكون من عدة أفراد ينال منها ككل ما يترتب على فعل الفرد الواحد من نتائج، لأن الأسرة ليست مجرد إطارٍ عاديٍ، يتصرف فيه كل عضو بمحض حريته وإرادته، بل هي إطار تحكمه ضوابط وتسيجه أحكام الشرع الحكيم التي ترتب على الزوجين وظائف ومهام مقدسة، تتمحور حول غاية سامية كبرى، هي الحفاظ على استمرار وجود الأمة الإسلامية متماسكًا قويًا، قادرًا على أداء رسالته الحضارية العظمى، التي هي إعمار الكون و نشر دين الله في أرض الله، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

و لقد ظلت الأسرة المسلمة قلعة شامخة وحصناً منيعًا حينما كان قوامها الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقًا، و حينما كانت تعتصم بحبل الله المتين، ولكن هذه الأسرة هي نفسها التي أصبحت مدخلاً للهدم ونسف بنيان الأمة حينما وقعت فريسة التفكك الأسري و الذي يترتب عليه إضعاف الأمة والإجهاز عليها، و الذي يتسلل إلى حمى الأسرة لنقض عراها ونسف بنيانها. وتضطلع برسالتها، و حتى تؤدي الأسرة وظائفها لابد أن تقوم على دعائم وأسس تعد بمثابة حصون للأسرة المسلمة، تظل في غيابها كيانًا مهزوزًا قابلاً للنقض في أي وقت وحين .

و تتمثل حصون الأسرة المسلمة في مجموعة من الأسس والقيم التي تحمي الأسرة وتساعدها على الاستقرار والنمو في : التقوى والالتزام بتعاليم الدين، المودة والرحمة بين أفراد الأسرة، الحوار والتواصل الفعال، التربية الصالحة للأبناء، والتعاون والتكافل الاجتماعي.

على التفصيل التالي:

التقوى والالتزام بتعاليم الدين:
فالأسرة المسلمة القوية هي التي تبنى على أساس من الإيمان والتقوى، حيث يحرص أفرادها على أداء العبادات والالتزام بأخلاق الإسلام .

المودة والرحمة:
أساس العلاقة الزوجية السعيدة هو المودة والرحمة، حيث يسود الحب والتفاهم بين الزوجين، ويتعاملان بلطف وعطف .

الحوار والتواصل الفعال:
الحوار الهادف والبناء بين أفراد الأسرة و الذي يساعد بدوره على حل المشكلات وفهم احتياجات بعضهم البعض، مما يعزز الترابط الأسري .

التربية الصالحة للأبناء:
أي التربية على القيم والأخلاق الحميدة، وتعليمهم مبادئ الإسلام، وإعدادهم لمواجهة تحديات الحياة، من أهم مسؤوليات الأسرة.

التعاون والتكافل الاجتماعي:
فتعاون أفراد الأسرة في تحمل المسؤوليات، ومساعدة بعضهم البعض، والتكافل في مواجهة الصعاب، من العوامل التي تعزز قوة الأسرة وتماسكها

الحفاظ على الهوية الإسلامية:
الأسرة المسلمة هي الحصن الحصين و الأخير الذي يحافظ على الهوية الإسلامية للأمة، و تتناقل من خلالها عبر الأجيال.

التأقلم مع المتغيرات:
يجب أن تكون الأسرة المسلمة قادرة على التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، مع الحفاظ على ثوابتها وقيمها

المحافظة على خصوصية الأسرة:

وعدم السماح بالتدخلات الخارجية التي قد تؤثر على استقرار الأسرة.

و عن الأدوار المتبادلة في الحفاظ على كيان الأسرة و الترابط الأسري يقول رب العزة في علاه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ))

و يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رواية عن رسول آخر الزمان صلوات ربي وسلامه عليه: ((أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.

*و أما عن موقع المرأة من الأسرة هو بمثابة القلب الذي إذا أدى وظائفه الحيوية في تغذية شرايين جسم الأسرة، وضخ دماء العافية والطهر والنقاء فيه، وبث الفضيلة والعفة والحياء، وروح التضامن والمسؤولية والإخاء، كانت الأسرة أسلم ما تكون.

و في الختام يمكن القول بأن: الأسرة المسلمة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الإسلامي، ومن خلال تحصين هذه اللبنة بالقيم الإسلامية، يمكن بناء مجتمع قوي ومتماسك .