مراتب المريدين في طريق التصوف : بين التبرك والإرادة!
16 يوليو، 2025
منهج الصوفية

بقلم الشيخ عبد المنعم محمد
في الطريق إلى الله، لم يكن الناس سواءً في السير، ولا في الهمة، ولا في المقصد، فمنهم من يكتفي بالقرب، ومنهم من يطلب الوصل. ومن خلال التجربة الصوفية العريقة، قسّم أهل السلوك المريدين إلى قسمين رئيسين: مريد التبرك ومريد الإرادة، ولكل منهما سماته ودرجته في السير.
أولًا : مريد التبرك :
هو الذي يلتمس الخير والبركة بمجالسة أهل الطريق، يأنس بهم، ويحبهم، وينظر إليهم بعين التقدير والرجاء. يطمع في شفاعتهم يوم الزحام، ويتمنى أن يكون معهم وإن لم يعمل عملهم. هذا المريد ليس عاجزًا بالضرورة، لكنه ليس صاحب إرادة قوية أو همة عالية تجعله يخوض غمار المجاهدات والصعاب. ولذلك، لا يطالبه الشيخ إلا بأن يكون محباً له ، حسن الظن به ، مطيعاً لله غير عاصيه ، قليل اللهو ، لا يتعالى على الناس بعلمه ولا بماله ولا بجاهه ولا بصلاحه وإن قصّر عاتبه الشيخ بلطف، وردّه إلى الحق دون قسوة!
كما قال إمامنا وشيخنا سيدى علي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه : ” إذا عاتبك الشيخ فلا تغضب، فإنما ينظفك من وسخ الطريق”.
ومثل هذا المريد، يُرجى له الخير، وينال بصدق المحبة ما لا يناله أهل الغفلة والعمل.
ثانيًا: مريد الإرادة (مريد السلوك)
هو السالك الحقيقي، الذي لا يرضى بالمقام الأدنى، ولا يقنع بمجرد التبرك، بل يريد أن يذوق ما ذاقه الأولياء من فيوضات وأسرار ومعارف وأنوار. يحمل في قلبه عزيمة الرجال، وفي روحه شوق السائرين.
هذا المريد يتطلب منه الشيخ ما يتطلبه من مريد التبرك، لكن يضيف عليه شروط السير وجهاد النفس، فيوظف عليه : الصيام ، السهر في الذكر والمناجاة ، ملازمة الصمت إلا لضرورة ، قلة الطعام والكلام ، ترك الأنس بالأقران والأصدقاء !
قال الإمام الجنيد : “ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات”.
قال الإمام سيدى عبدالقادر الجيلاني : “ما وصل إلينا من وصل إلا بصدق العزم، وصحة الطلب، وشدة المجاهدة”.
ولذا فإن الشيخ لا يتهاون معه، ولا يجامله، بل يقيم عليه ميزان الطريق، ويحاسبه على الهفوة الصغيرة قبل الكبيرة، فهو يعلم أنه يعده لأن يكون يومًا مرآة للشيخ وامتدادًا له.
وفي سير هذا المريد، يقول الشيخ أبو مدين الغوث:
“يا مريد، إن أردت الطريق، فاحمل نفسك على المكاره، ولا ترض لنفسك السكون، فإن الراحة للمحبين عار”.
وما يزال هذا المريد يسير ويُربى ويُرقى، من ذكر إلى ذكر، ومن حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام، حتى يشهد بعين قلبه ما وعد الله به أولياءه من القرب والأنس والمعرفة، ويصبح هو الآخر من أهل التربية والتسليك، امتدادًا لسنده وشيخه.
اللهم اجعلنا من الصادقين، وارزقنا همة السالكين، وثبتنا على طريقك حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا.