التنمر من منظور الفكر الإسلامي

بقلم د.إيمان إبراهيم عبد العظيم
مدرس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر – واعظة بوزارة الأوقاف

حذر الإسلام من الإساءة إلى الآخرين وتجريحهم بالقول أو الفعل أو السخرية منهم بأي طريقة كانت، وهو ما يصطلح عليه حاليا بالتنمر وإن القرآن أكد في مختلف الآيات على حرمة ذلك مستخدمًا عبارات دقيقة جدًا تصب في مفهوم التنمر، فحذر من ذلك في سورة الهمزة متوعدًا من يقوم بهذه السلوكيات العدائية و هو التنمر بالقول :”ويل لكل همزة لمزة” في إشارة إلى من يقوم بالطعن في الناس ويعيبهم ويتحدث فيهم بما يكرهون لما في ذلك من الأذى النفسي لهم، كما أن السخرية هي الآخرين تدخل ضمن التنمر لذلك فإن الله تعالى قال في محكم تنزيله: «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن»، بل إن الإسلام ذهب إلى أبعد من ذلك عندما نهى عن التنابز بالألقاب، بل لا مزاح فيه، لما في ذلك من شحن للأنفس بالضغائن، بل اعتبره كمن كفر بعد إيمانه ليؤكد على خطورة هذا السلوك «ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان».

و أما عن أنواع التنمر فهي متعددة منها:

* التنمر البدني، مثل: الضرب، أو اللكم، أو الركل، أو سرقة وإتلاف الأغراض.

*التنمر اللفظي، مثل: الشتائم، والتحقير، والسخرية، وإطلاق الألقاب، والتهديد.

*التنمر الاجتماعي، مثل: تجاهل أو إهمال الطفل بطريقة متعمدة، أو استبعاده، أو نشر شائعات تخصه.

*التنمر النفسي، مثل: النظرات السيئة، والتربص، التلاعب وإشعار الطفل بأن التنمر من نسج خياله.

*التنمر الإلكتروني، مثل: السخرية والتهديد عن طريق الإنترنت عبر الرسائل الإلكترونية، أو الرسائل النصية، أو المواقع الخاصة بشبكات التواصل الاجتماعي، أو أن يتم اختراق الحساب بهدف إيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية.و نظرًا لأن هذه الوسيلة أصبحت شائعة في المجتمع خاصة بين فئة الشباب، فقد وضعت تشريعات وحملات توعوية لمكافحتها.

*التنمّر المدرسي: و يتضمن أفعالًا سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الضرر بتلميذ آخر، ويمكن أن تشمل هذه الأفعال التهديد بالكلمات، الإغاظة، الشتائم، التهديد بأشياء مخيفة، أو الاحتكاك الجسدي المباشر كالضرب، الدفع، الركل، أو باستخدام تعابير غير لائقة بهدف إزعاج الطالب المتعرض للتنمر وعزله عن المجموعة. من أسباب هذا النوع رغبة المتنمر في لفت انتباه الآخرين إليه والظهور كشخص قوي والرغبة في القيادة والغيرة

أما عن تداعيات التنمر على الفرد والمجتمع
فإن تنبيه الإسلام من القيام ببعض السلوكيات الخاطئة والنهي عنها يصب في مصلحة الفرد والمجتمع، ولاشك أن الدراسات النفسية والاجتماعية الراهنة أكدت أن الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر من بينهم الأطفال يصابون بأمراض عقلية ونفسية وجسدية واجتماعية، كما يشعرون بحالة من الاكتئاب الحاد والقلق، بالوحدة والحزن، الذي يودي بهم إلى الانتحار.

و أما بخصوص آثار التنمر على المجتمع فهي خطيرة، لكونها ظاهرة تزرع حالة من الخوف، نتيجة انتشار السلوكات العدوانية والعنف، مما يؤدي لحالة من الوحدة والانعزال لدى بعض الأبناء، نتيجة تعرضهم للتنمر، إضافة إلى تراجع مستواهم الدراسي وانعدام الثقة، إضافة إلى التنمر الالكتروني الذي يطال الجميع دون استثناء ويؤدي إلى شعور الفرد بعدم أهميته وغياب تقديره لذاته بسبب الهجومات العدائية المتكررة عليه، أما تعرض العامل للتنمر في مكان العمل فإن ذلك له تداعيات مقلقة؛ لأنها لا تنعكس على العامل فحسب بل على أداء المؤسسة في حد ذاتها، وتشير مختلف الاستطلاعات إلى أن المؤسسات التي ينتشر فيها التنمر تواجه انخفاض الإنتاجية ومشاكل كثيرة.

و خلاصة القول في فقه التنمر التأكيد على حرمة ظاهرة التنمر وضرورة مواجهتها عبر التنبيه منها والتأكيد على حرمتها ونشر الوعي عن مخاطرها وترسيخ التربية الصحيحة التي تقوم على الاحترام المتبادل والأخلاق الحميدة، كما ينبغي التعرف على الأساليب المستخدمة لمواجهة المتنمرين لإيقافهم عند حدهم، إضافة إلى وضع قوانين تعاقب على هذه الأفعال وتضع حدا لها لنعيش في بيئة صحية أكثر آمانا واستقرارا.

و عن طرق علاج التنمر فمنها :

*دعم الأهل: يجب أن يقف الأهل بجانب الشخص المتعرض للتنمر، واحتضانه، وعدم التعامل معه بقسوة.

*التثقيف: من المهم تثقيف جميع أفراد المجتمع، بما في ذلك الأطفال والمعلمين والوالدين، حول طبيعة التنمر وحقيقته، وفهم سلوكيات الشخص المتعرض للتنمر لمساعدته على الخروج من هذه الحالة.

*تعزيز الثقة: تعزيز ثقة المتعرض للتنمر بنفسه، وقدرته على استعادة صحته النفسية والمعنوية.

*الأنشطة الاجتماعية: تشجيع المتعرض للتنمر على المشاركة بالأنشطة الاجتماعية والانخراط في المجتمع.

*العلاج النفسي: تقديم العلاج النفسي للشخص المتعرض للتنمر واستشارة الطبيب النفسي لمساعدته على علاج هذه المشكلة.

*التربية السليمة: تربية الأطفال تربية سليمة وعدم استخدام العنف معهم.

و من الجدير بالذكر توضيح كيفية علاج التنمر عند الأطفال و هم لبنة المجتمع بعدة طرق منها :

*التصديق والدعم: تصديق كل الأشياء التي يقولها الطفل وعدم الاستهزاء بها، والعمل بشكل جدي مع المدرسة على وضع خطة فعالة للحد من التنمر والوقوف بجانبه حتى يتخلص من هذه الحالة النفسية.

*تفهم الأهل: يجب على الأهل تفهم مشاعر الطفل المتنمر بكل هدوء وإيجابية، عن طريق التعرف على الأسباب التي جعلته يُصاب بالتنمر، والتوضيح له بشكل بسيط أن هذا السلوك خاطئ ويجب أن يتخلص منه ليتمتع بحياة سعيدة.

*عدم وصف الطفل بالمعتدي أو المتنمر، وخاصة أمام الآخرين أو حتى أمام إخوته.

*تجنب الإحباط: عدم التركيز على الإحباطات التي قد يواجهها الطفل في المنزل أو خلال الامتحانات وحل الواجبات المنزلية.

*مراقبة البرامج: مراقبة البرامج التي يشاهدها الطفل، سواء كانت على التلفاز أو الإنترنت.

*مراقبة الألعاب: مراقبة الألعاب التي يلعب بها الطفل، خصوصًا الألعاب الإلكترونية.

*تشجيع الهوايات: تعليم الطفل ممارسة الهوايات التي تساعد على استرخاء النفس والأعصاب، والتي تعوده على الهدوء بدلًا من العنف، مثل الألعاب الرياضية الخفيفة كالسباحة، أو الرياضات الجماعية مثل كرة القدم وكرة السلة، وإبعاده عن الرياضات العنيفة.