خطبة بعنوان ( الإتحاد قـــوة، والتفرق ضعف)للدكتور مسعد أحمد سعد الشايب
15 يوليو، 2025
خطب منبرية

خطبة بعنوان ( الإتحاد قـــوة، والتفرق ضعف)
للدكتور : مسعد أحمد سعد الشايب
الجمعة 23 من المحرم 1447هـ الموافقة 18من يوليه 2025م
أولا: العناصر:
-
دعوة الشريعة الإسلامية للإتحاد، والنهي عن التفرق.
-
ستُ صورٍ، وأشكالٍ للأمل في رحمة الله.
-
الخطبة الثانية: (التفكك الأسري، وأسبابه).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتحدين، المجتمعين، المؤمنين، ولا عدوان إلا على المتفرقين، الظالمين، الكافرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، وقائد الغرّ المحجّلين، صلاة وسلاما عليك يا سيدى يا رسول الله، وعلى آلك، وأصحابك، وأتباعك، وأحبابك، إلى يوم الدين، وبعد:
-
((دعوة الشريعة الإسلامية للإتحاد، والنهي عن التفرق))
أيها الأحبة الكرام: فمن أجلّ وأخطر مقاصد الشريعة الإسلامية: توحيدُ كلمة المسلمين، وجمعُ قلوبِهم على إعلاء كلمة الحق تبارك وتعالى، وتوحيدُ صفوفِهم في العمل لهذه الغاية النبيلة؛ ومن هنا كانت الدعوة للإتحاد وعدم التفرق في العديد من النصوص القرآنية الكريمة، والنبوية الشريفة.
فيقول الحق تبارك وتعالى: “وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ” [آل عمران:103]، قيل: المراد بهذا الخطاب: مشركو العرب، كان القوي فيهم يستبيح الضعيف، أرضه، وماله، وعرضه. وقيل: المراد بهذا الخطاب: الأوس والخزرج، كانت بينهما حروبٌ طاحنة استمرت حوالي مائة وعشرين سنة، وسياق الآية القرآنية ونظمها يرجح هذا المعنى، فالأوس والخزرج هما أول القبائل العربية التي امتثلت لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريقة جماعية.
والمراد بحبل الله (عزّ وجل): القرآن الكريم، أو شرائع الدين ككل، أو عهد الطاعة والعبادة، أو جماعة المسلمين، ولا مانع من إرادة كل ذلك.
ويقول سبحانه وتعالى: “إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ” [الأنعام:159]، دعوة بطريق المفهوم إلى الاتحاد والتجمع بالذم والقدح والتبرئ من التشرذم والتفرق، والمشار إليه في تلك الآية المباركة أهل البدع والضلال الذين فرقوا جمع الأمة وخالفوا جمهور علمائها. وقيل: أهل الكتاب. وقيل: اليهود خاصة. وقيل: جميع المشركين. ومن هنا نعلم أن التفرق والتشرذم من أخلاق أهل الشرك والنفاق، أهل البدع والضلالة أعاذنا الله منهم.
وعن سيدنا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ (رضي الله عنه)، قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: (نَعَمْ). فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ). قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: (قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ). فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: (نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: (نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ). فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) (متفق عليه).
وَعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا؛ فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ) (رواه مسلم).
وعن عَنْ ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما)، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا فَقَالَ: (أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ) (رواه الترمذي).
-
((ستُ صورٍ، وأشكالٍ للأمل في رحمة الله))
أيها الأحبة الكرام: إن البعد عن الاتحاد والاعتصام بحبل الله، والأخذ بالتفرق والتشرذم له أضراره، وأخطاره، كما له فوائده وثماره لقد فتح الله (عزّ وجلّ) لنا باب الأمل في الشريعة الإسلامية واسعًا على مصراعيه في كل شيء, فعلى سبيل المثال:
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب………..
(الخطبة الثانية)
((التفكك الأسري، وأسبابه))
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أحبتي في الله: ونحن نستقبل عامًا هجريًا جديدًا فلا بد من محاسبة أنفسنا على ما قدمنا وأخرنا فيه، فمحاسبة النفس لها فوائد وثمار عدة، منها:
((معنى التفكك الأسري، وبيان المراد به))
التفكك في لغتنا العربية: مأخوذ من مادة (ف ك) التي تعني الفصل، والتخليص، والإطلاق، والانفراج، والإزالة، تقول: فككت الأسير، أي: أطلقت سراحه، وتقول: فككت الرهن، أي: خلصته، وهكذا.
والتفكك الأسري يعني: فشل أعضاء الأسرة جميعًا، أو أحد أعضائها في القيام بدوره المنوط به، مما يؤدي إلى التباعد بين أعضائها، أو على الأقل ضعف العلاقات بينهم، مما يؤدي إلى حدوث التوترات، وانفراط عقد الأسرة.
أو هو: عبارة عن الأزمات والمشاكل التي تستولي على الأسرة، فتؤدي إلى تمزقها، وانفصال أعضائها عن بعضهم البعض.
أو هو: ضعف ووهن، وسوء توافق وتكيف، وانحلال يصيب الروابط الأسرية بين الزوج وزوجته، وبين الوالدين وأولادهما، وبين الأولاد وبعضهم البعض، فالتفكك الأسري منه ما هو جزئي، ومنه ما هو كلي، وعلماء الاجتماع يقولون: إنه يمر بعدة مراحل.
((أهم أسباب التفكك الأسري))
1ـ مخالفة وصايا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخصوصًا فيما يتعلق بأمر الزواج، فاختيار الزوجة ضعيفة الإيمان يؤدي إلى: الجهل بحقوق زوجها عليها، وجهل مكانته بالنسبة إليها، وجهل أنه أعظم الناس حقًا عليها بعد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أعظم حقًا من أبيها وأمها، وجهل أنه سببٌ في دخولها الجنة أو النار…الخ.
واختيار الزوج ضعيف الإيمان يؤدي إلى: جهله بحقوق زوجته عليه من حسن المعاشرة والمعاملة، وجميل التحمل لها، والتطيب والتزين لها، والإنفاق عليها، والرعاية والتربية لأولاده…الخ.
قال (صلى الله عليه وسلم) ناصحًا الشباب المقبلين على الزواج: (…فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ…) (متفق عليه)، وينصح أولياء أمر البنت والمرأة قائلًا: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟. قَالَ: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ). ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) (رواه الترمذي).
فالاختيار المخالف لوصية سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الزواج يؤدي إلى تفاقم المشاكل الأسرية، ويؤدي إلى ما نراه اليوم على من التفكك الأسري.
2ـ ضعف التحلي والتمسك بالقيم والأخلاق اللازمة لاستمرار الحياة الزوجية، من التحلي بالصبر، والحلم، والعفو، والصفح في مواجهة صعوبات الحياة الأسرية، والمشاكل الزوجية الناشئة من نوازع النفس البشرية وغيرها.
فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) (رواه مسلم)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا) (اللفظ لمسلم).
وما يطالب به الزوج من التحلي بالحلم والصبر…الخ تطالب به الزوجة، وانظروا لهذا النموذج الرائع من الصبر على شظف العيش من صحابية جليلة، فعن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) قالت: (تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ، وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي المَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ…) (متفق عليه).
3ـ انشغال الوالدين أو أحدهما، عن الأبناء، وعن القيام بالدور المنوط به، فالقوامة، وقيادة سفينة الأسرة شأن الرجال، ورعاية بيت الزوجية، والقيام على شئونه، وإصلاح أموره من شأن النساء، فلو قام كل واحد في الأسرة بدوره الذي حددته له الشريعة الإسلامية؛ لاستقرت الأسرة المسلمة، وما رأينا تفككا فيها، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ) (متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) (رواه أبو داود)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…) (متفق عليه).
4ـ كثرة المشاحنات الزوجية، وغياب الحوار الأسري، فمن أهداف الحوار الأسري، ومقاصده تضييق هوة الخلاف بين أفراد الأسرة، وتقريب وجهات النظر، وبالحوار الأسري نتعرف على أطروحات الطرف الآخر، ووجهات نظره وحججه في القضايا التي هي موضوع الحوار، في مقابل تعريفه بما يغيب عنه أو يلتبس عليه من أصول ديننا ومحاسنه، فهو وسيلة سلمية يسيرة لتبادل الآراء وتلاقح الأفكار وصولا إلى رأي سديد يجتمع عليه الناس أو لتقريب وجهات النظر وتفهُّم المواقف.
5ـ عدم عدل الوالدين بين أبنائهما، والتفرقة بينهم في المعاملات المادية والمعنوية؛ فذلك يجلب الشقاق ويزرع الحقد والغل والحسد والكراهية بينهم، ويسبب قطيعة الرحم بعد ذلك، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ( رضي الله عنه ) قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟). قَالَ: لَا، قَالَ: (اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ). فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. (اللفظ لمسلم).
6ـ ثورة الاتصالات الحديثة، وكثرة سائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وعدم ترشيد استخدامها، وهذا من أعظم فتن الشيطان اليوم، قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء:53]، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، أَوْ فَيَلْتَزِمُهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ أَنْتَ) (اللفظ لأحمد).
وخطب النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم النحر، وفي رواية: أوسط أيام التشريق، ـ ولعل الوصية تكررت ـ فقال: (…أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ (قنط) أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَكُمْ…) (رواه أحمد)، (في التحريش) أي: في إيقاع العداوة بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها.
7ـ انفصال الوالدين بالطلاق، فانفصالهما هو أعظم أسباب التفكك الأسري، وأعظم مظاهره أيضًا، ويؤثر بالسلب على بقية أفراد الأسرة، فهو تسبب في ضياع الأولاد، ويؤثر تأثيرًا سيئًا عليهم، بل وعلى المجتمع ككل، ولذا كان الأصل في الطلاق: أنه محظور لا يباح إلا لحاجة، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء، وهو الرأي المختار عندي، والراجح في نظري؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة الرأي الأخر.
فاللهمّ ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين
فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب