خطبة بعنوان ( الاتحاد في الإسلام فريضة وضرورة ) للدكتور محمد جاد قحيف
14 يوليو، 2025
خطب منبرية

خطبة بعنوان ( الاتحاد في الإسلام فريضة وضرورة )
للدكتور : محمد جاد قحيف
الحمد لله ألّف بالإسلام قلوب عباده المؤمنين، وأوجب عليهم الاتحاد بحبل الله المتين ، وحرم عليهم التفرق في كتابه المبين ، وأشهد أن لا إله إلا هو حده لا شريك له سبحانه وتعالى الملك الحق المبين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين خير داعٍ إلى الطريق القويم، والصراط المستقيم صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الذين صَفَتْ قلوبهم، واتحدت كلمتهم، والتقت أهدافهم إلى رفع راية هذا الدين، وعلى من تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين، وسلم تسيلماً كثيراً.أما بعد فيا أمة الإسلام إن الاتحاد هو أساس السعادة، وعماد كل تقدم ورقي..
وإن أهم خصائص هذه الأمة أنها أمة واحدة، قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾الانبياء /٩٢.
وقال جل جلاله:﴿وَإِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون:51]..
والتاريخ الإسلامي يشهد لما جاء به الدين الإسلامي من أن الخير كل الخير في اجتماع الكلمة والتضامن، وتوحيد الصفوف، والتضحية بالمصالح الشخصية والرغبات الفردية في سبيل المصلحة العامة، فما نالت أمة من الأمم نصيباً من التقدم في شيء من شؤونها إلا باجتماع الكلمة..
إن تعداد المسلمين ما يربو على المليار ونصف وتعداد دول الإسلام تربو على خمسين دولة عربية وإسلامية لو اتحدوا لصارت لهم للقيادة والريادة على أقوى الأمم والبلاد ، ولدان لهم الغرب بغطرسته وكبريائه ..
إن أمة الإسلام ذات عقيدة ربانية ، وتاريخ وموقع استراتيجي متميز ، أمة تضم ملتقى القارات ، ومنبع الحضارات، ومهبط الرسالات فضلا عن تملكها العديد من الموارد مقومات النهضة والتقدم ..
وعلى رأس هذه المقومات الاتحاد والاصطفاف لأنها من أهم عوامل قوة أي أمة من الأمم ؛ فبالاتحاد تنال الأمم مجدها، وتصل إلى مبتغاها، وتعيش حياة آمنة مطمئنة، وبالاتحاد تكون الأمة مرهوبة الجانب، مهيبة الحمى، عزيزة السلطان ..
العنصر الأول:من أهم أصول دعوة الإسلام الوحدة والاصطفاف ..
إن من أهم عناصر قوة هذه الأمة الوحدة والاصطفاف، واجتـماع الكلـمة على الحق، وإصلاح ذات البين، وعدم التــنازع والتـفرّق، والقتال تحت راية واحدة بقيادة واحدة ..
قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103]..
يقول العلامة ابن تيمية: “وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل الله جميعًا، وأن لا يتفرق، هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- في مواطن عامة أو خاصة، مثل قوله: “عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة”، وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة بل وفي غيرها هو التفرق والاختلاف، فإنه وقع بين أمرائها وعلمائها من ملوكها ومشايخها وغيرهم من ذلك ما الله به عليم، وإن كان بعض ذلك مغفورًا لصاحبه لاجتهاده الذي يغفر فيه خطؤه، أو لحسناته الماحية، أو توبته، أو غير ذلك، لكن ليعلم أن رعايته من أعظم أصول الإسلام”.
أيها المؤمنون: ومن أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة بين المسلمين: النهي الصريح عن الافتراق والاختلاف الذي هو ضد الوحدة والاجتماع.
قال الله -عز وجل-: (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ) [الأنفال:45].
قال أبو جعفر : “يقول -تعالى ذكره- للمؤمنين به: أطيعوا -أيها المؤمنون- ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء، ولا تنازعوا فتفشلوا، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا وتذهب ريحكم”..
=” واصبروا ” ، يقول: اصبروا مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عند لقاء عدوكم, ولا تنهزموا عنه وتتركوه = ” إن الله مع الصابرين ” ، يقول: اصبروا فإني معكم. (6)
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل ..(تفسير الطبري).
وأخرج الطبري عن ابن عباس في قول الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيّنَـاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105]، قال: في هذا ونحوه من القرآن أمرَ الله -جل ثناؤه- المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله..
عن زَكَرِيَّا بْنَ سَلاَّمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ: “أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، أَيُّهَا النَّاسُ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ”. ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَهَا إِسْحَاقُ.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “المُؤْمِنَ للمؤمنِ كالبُنْيانِ يشدُّ بَعضُهُ بعضًا”(متفق عليه)..
لقد بنَى الإسلامُ مُجتمَعَ المُسلِمينَ على أساسٍ مَتينٍ مِن الأُخوَّةِ والتآزُرِ فيما بيْنَهم؛ فقد أخْبَرَ اللهُ تعالى في كتابِه الكريمِ أنَّ المؤمنينَ إخوةٌ في الدِّينِ، والأُخُوَّةُ يُنافيها الحِقْدُ والبَغضاءُ، وتَقْتضي التَّوادُدَ والتَّناصُرَ، وقِيامَ الأُلْفةِ والمَحبَّةِ فيما بيْنَهم.وفي هذا الحديثِ يخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المؤمنينَ في تَآزُرِهم وتَماسُكِ كُلِّ فَرْدٍ منهم بالآخَرِ، كالبُنيانِ المَرْصوصِ الذي لا يَقْوَى على البَقاءِ إلَّا إذا تَماسَكَتْ أجزاؤُه لَبِنَةً لَبِنَةً، فإذا تفَكَّكَتْ سَقَطَ وانهارَ، وشَبَّكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيْن أصابِعِه، إشارةً إلى أنَّ تعاضُدَ المؤمنينَ بيْنهم كتَشْبِيك الأصابِعِ بَعْضِها في بَعضٍ، فكما أنَّ أصابِعَ اليدينِ مُتعدِّدةٌ؛ فهي تَرجِعُ إلى أصلٍ واحدٍ، ورَجُلٍ واحدٍ، فكذلك المؤمنونَ وإنْ تعدَّدَت أشخاصُهم فهمْ يَرجِعونَ إلى أصْلٍ واحدٍ، وتَجْمَعُهم أُخُوَّةُ الإيمانِ.وهذا التَّشبيكُ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ كان لمَصلحةٍ وفائدةٍ؛ فإنَّه لَمَّا شَبَّهَ المؤمنينَ بالبُنيانِ الذي يَشُدُّ بَعضُه بَعضًا، كان ذلك تَشبيهًا بالقَوْلِ، ثُمَّ أوضَحَه بالفِعْلِ، فشَبَّكَ أصابِعَه بَعْضَها في بعضٍ؛ لِيَتأكَّدَ بذلك المثالُ الذي ضَرَبَه لهم بِقَوْلِه، ويَزدادَ بَيانًا وظُهورًا.. (الدر السنية)
ومن أساليب الشريعة في الحث على الوحدة بين المسلمين: تحذير الشريعة من الشذوذ ومفارقة الجماعة، ففي سنن الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِينَا، ثم ذكر خطبة جاء فيها: “عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ”.
وقال تعالى:”وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”
.الأنفال/٦٣.
وقال عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: 1].
وقال جل وعلا : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10] .
فإذا لم يحقق المسلمون تقوى الله بطاعة الله ورسوله، وتنازعوا واختلفوا، زالت قوتهم، وتسلط عليهم أعداؤهم، كما قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46] ..
العنصر الثاني: كيف دعا النبي ﷺ إلى وحدة الأمة قولاً وعملا ..
إن نبي الإسلام بعقيدته الصحيحة وعبادته الصادقة وأخلاقه الرفيعة، صهر أصحابه وجعل منهم أمة واحدة مترابطة ترابط الجسد الواحد ، لا فرق بين الفارسي ولا البربري، ولا الرومي ولا العربي إلا بالتقوى ..وهكذا كان خطابه لجميع الأمم والشعوب والحضارات بلفظ يا أيها الناس ..
وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ». قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم..
وإن نبينا ﷺ عمل منذ اللحظة الأولى من بناء دولة المدينة على التآخي بين المسلمين أخوين أخوين ، بين الأوس والخزرج ، وبين الأنصار والمهاجرين ؛ لإذابة العصبية والعنصرية ، والفوارق ، فلا أوسيون ولا خزرجيون ، ولا قرشيون ، ولا حجازيون ولا يمنيون ، الكل مسلمون على عقيدة التوحيد الربانية والأخوة الإيمانية .
وبهذا فإن رسول الله قد بنى أسس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فهل من الصعب على أمة قد وحدتها العقيدة والعبادة ولغة القرآن الكريم أن لا يَجد سبيلاً لتحقيق الوحدة ؟
أليست كل العبادات المفروضة علينا تعتبر من أسس الوحدة والدعوة إليها؟..
الاتحاد في الصيام والإفطار ، والاتحاد في صلاة الجماعة والجمع ، والتجمع الأكبر في صلاة العيدين وأكبر منه على عرفات عند حج بيت الله الحرام ..
ألم يأت القرآن والسنة النبوية بأبجديات الوحدة إنها ليست فقط ضرورة دينية بل هي ضرورة حياتية ..
والأمة الإسلام أمة واحدة في عقيدتها وتصوراتها ومنهجها،
وانعكس ذلك في توادهم وتراحمهم فيما بينهم وأصبحوا كالجسد الواحد، الذي يخفق فيه قلب واحد، وتسري فيه روح واحدة، ويتأثر كل عضو فيه بما يصيب بقية الأعضاء،
أو هو كالجدار المتين الذي تجتمع لبناته لتشكل فيما بينها وحدة واحدة متماسكة متراصة..
إن الصحابة رضوان الله عليهم ليسوا من صلب واحد، ولا من أب وأم واحدة، بل من أقطار متفرقة، ولكن اجتمعوا تحت ظل “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، اجتمعوا على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
لقد جمع النبي ﷺ بالإسلام فرقتهم، ولم به شتاتهم، وجمعهم على قلب واحد، فصاروا أعزة بعد ذلة، وصاروا سادة بعد العبودية، وملكوا رقاب الأكاسرة والقياصرة، تحولوا من رعاة للغنم إلى أن صاروا سادة العرب والعجم ، لكننا أصبحنا وللاسف الشديد كالغنم ترعانا الأمم ..
العنصر الثالث : وسائل تحقيق الوحدة والاصطفاف
من أهم وسائل تحقيق الوحدة والاصطفاف الحذر من العصبية والاختلاف ، فقد سمى القرآن الكريم الاتحاد إيمان ، والتفرق كفر..
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ، وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ آل عمران ١٠١/١٠٠.
ومما جاء في تفسيرها عن مجاهد في قوله: ” يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب “، قال: كان جِماعُ قبائل الأنصار بطنين: الأوس والخزرج، وكان بينهما في الجاهلية حربٌ ودماء وشنَآنٌ، حتى مَنَّ الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم، وألفَّ بينهم بالإسلام. قال: فبينا رجل من الأوس ورجلٌ من الخزرج قاعدان يتحدّثان، ومعهما يهوديّ جالسٌ، فلم يزل يذكِّرهما أيامهما والعداوةَ التي كانت بينهم، حتى استَبَّا ثم اقتتلا. قال: فنادى هذا قومه وهذا قومه، فخرجوا بالسلاح، وصفَّ بعضهم لبعض. قال: ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم شاهدٌ يومئذ بالمدينة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ليسكنهم، حتى رجعوا ووضعوا السلاح، فأنـزل الله عز وجل القرآن في ذلك: ” يا أيها الذين آمنوا إن تُطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب ” إلى قوله: عَذَابٌ عَظِيمٌ …
وعن ابن عباس قال: كانت الأوس والخزرج بينهم حرب في الجاهلية كل شهر، (10) فبينما هم جلوس إذْ ذكروا ما كان بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنـزلت هذه الآية: ” وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ” إلى آخر الآيتين، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً إلى آخر الآية. (تفسير الطبري)
وعن عكرمة قال : كان بين هذين الحيين من الأوس والخزرج قتال من الجاهلية ، فلما جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم ، وجلس يهودي في مجلس فيه نفر منالأوس والخزرج ، فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم ، فكأنهم دخلهم من ذلك ، فقال الحي الآخرون قد قال شاعرنا في يوم كذا : كذا وكذا ، فقال الآخرون : وقد قال شاعرنا في يوم كذا : كذا وكذا ، [ قال ] فقالوا : تعالوا نرد الحرب جذعا كما كانت ، فنادى هؤلاء : يا آل أوس ، ونادى هؤلاء يا آل خزرج . فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال ، فنزلت هذه الآية ، فجاء النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى قام بين الصفين فقرأها ورفع صوته ، فلما سمعوا صوته أنصتوا [ له ] وجعلوا يستمعون إليه ، فلما فرغ ألقوا السلاح ، وعانق بعضهم بعضا . وجثوا يبكون .
وقال زيد بن أسلم : مرشاس بن قيس اليهودي – وكان شيخا فدعا في الجاهلية ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم – فمر على نفر من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الأوس والخزرج في مجلس [ قد ] جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم ، وصلاح ذات بينهم في الإسلام ، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار . فأمر شابا من اليهود كان معه ، فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم [ ص: 62 ] ذكرهم [ بيوم ] بعاث وما كان فيه ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار . وكان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج . ففعل فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا ، حتى تواثب رجلان من الحيين : أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس ، وجبار بن صخر ، أحد بني سلمة من الخزرج . فتقاولا ، وقال أحدهما لصاحبه : إن شئت [ والله ] رددتها [ الآن ] جذعة ، وغضب الفريقان جميعا وقالا قد فعلنا ، السلاح السلاح ، موعدكم الظاهرة . وهي حرة ، فخرجوا إليها ، وانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم ، فقال : يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ، بعد أن أكرمكم الله بالإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، وألف بينكم ، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا ؟ الله الله ! فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم ، وبكوا وعانق بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سامعين مطيعين ، فأنزل الله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا ) يعني الأوس والخزرج ( إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب ) يعني شاسا وأصحابه ( يردوكم بعد إيمانكم كافرين ) . قال جابر بن عبد الله : ما كان [ من ] طالع أكره إلينا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأومأ إلينا بيده ، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا ، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فما رأيت [ قط ] يوما أقبح ولا أوحش أولا ، وأحسن آخرا من ذلك اليوم .(اسلام ويب)..
الحذر من الانحراف وراء المعاصي والشهوات
يا إخوة الإسلام إن الذنوب والمعاصي تضر ولابد، وإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته
أيها المسلمون: والله ثم والله ثم والله ما نال سلفنا الصالح في ماضيهم ما نالوه من عز منيع، وشرف رفيع، بكثرة أعدادهم، ولا بتوفر عددهم ولا بصواريخهم، ولا بطائراتهم النفاثة، ولا بقنابلهم الذرية،على من أهمية الاستعداد بكل أسباب القوة ، ولكن نالوا ذلك بالاتحاد والاصطفاف ، والإيمان بالله، فهو العدة القوية، والسلاح القويم؛ الإيمان بالله، وتوحيد الصفوف، ولَمِّ الشعث فيما بينهم، حتى أصبحوا يداً واحدة، ولساناً واحداً، ينبروا لصالح الإخاء والإخلاص الذي أطاح بعروش الظلم والعدوان -عروش كسرى وقيصر- ونشر لواء العدل والمساواة في أرجاء المعمورة..
العنصر الرابع: التفرق والاختلاف من أسباب تخلف أمة الإسلام..
إن من أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة وفتكت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها، الاختلاف والتفرق، وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: (يـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ) [الأنفال:45، 46]..
لا يوجد دين فيه مثل هذه النصوص التي تدعو إلى الاتحاد والاعتصام ، وتحذر من التفرق والاختلاف ..
بحثت عن الأديان في الأرض كلها *** وجبت بلاد الله غرباً ومشرقاً
فلم أر كالإسلام أدعى لألفـــــةٍ *** ولا مثل أهليـــه أشد تفرقا ..
إخوة الإسلام إن تدني وتخلف أمة الإسلام نابع من عدم فهمنا وتطبيقنا لوصايا الإسلام، وإن أمتنا يقودها في كل المجالات أناس مقلدون منهزمون، هبطوا بالناس من علياء الأخوة الإسلامية إلى حضيض علاقات دنيوية، وضيق روابط أرضية، جعلت اجتماعاهم فرقة، وأحالت وحدتهم إلى شتات، وسلبتهم قوتهم، وألبستهم الضعف والهوان ..
أيها المؤمنون: إن التاريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول على اختلاف عقائدها ومللها التفرق والاختلاف، سقطت الخلافة العباسية بعد أن تفرقت الدول الإسلامية في ذلك الوقت، فنشأت دولة المماليك، ودويلات الشام، ولم يبق للخلافة العباسية إلا مزع متفرقة متناثرة من العالم الإسلامي، فلما زحف المغول إلى بغداد لم يقف في وجه زحفهم غير أهل بغداد فقط، فأعملوا فيهم القتل حتى قتلوا أكثر من ثمانمائة ألف نسمة، كما قال غير واحد من المؤرخين.
وسقطت الدولة الإسلامية في الأندلس بعد أن أصبحت دويلات متفرقة متناحرة، لا همّ لأحدهم سوى التلقب بألقاب الملك والسلطان حتى ولو كان على بقعة لا تجاوز حظيرة خراف.
مـما يزهدني في أرض أندلس *** أسمــاء معتضـد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غـير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد
ولم تسقط الدولة العثمانية إلا بعد أن تمزق جسدها إلى أشلاءَ متناثرة، وبعد أن أغرى الصليبيون الجدد بعض زعماء المسلمين بالانفصال عنها، وأحسنوا إتقان العمل بقاعدة: “فرِّق تسُد”، وها هو العالم الإسلامي اليوم منقسم إلى دويلات متناحرة، تعيش على هامش التاريخ، وتتجرع ألوان الذل والهوان.
صوت الشعوب من الزئير مجمعًا *** فإذا تفرق كان بعض نباح..
إن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الوهن في صفوف أصحاب الحق، فالفُرقة تجعل هلاك الأمة بيد أبنائها في سلاسل من الحروب في غير معركة، وانتصارات بغير عدو..
ومن أعظم أسباب هبوط الأمة إلى هذا المستنقع الأثيم: تفرقها وانقسامها إلى دويلات وطوائف، يحارب بعضها بعضا، ويتربص كل منها بالآخر الدوائر .
وصدق القائل مصورا حال أمة الإسلام :
الكعبة احتسبت في الله قتلانا والبيت قام لنا يبكي فأبكانا .
والقدس تجلد قهرا بين أعيننا كأنما ارتكبت في الأرض نكرانا .
بحر فلسطين أسال الحزن دمعته بكى أطفالا ونساءا وجيرانا .
بغداد تسبح في فقر وفي مرض والموت طوق في الظلماء لبنانا .
قوائم الجوع ضمت في طليعتها من أمة العرب صومالا وسودانا .
ماذا تبقى لنا يا أمة ذبحت بخنجر الغدر أفراسا وفرسانا ..
وماذا دهانا فخانتنا ضمائرنا صرنا على أهلنا للغير أعوانا.
عجيب والله أمر المسلمين ! أمة إلهها واحد، ونبيها واحد، وقرآنها واحد، وسنتهم واحدة، ولغة قرآنهم، ومع ذلك فهم دول ممزقة، وشعوب متفرقة، وفرق متناحرة، وجماعات متصارعة، ومذاهب مختلفة، مع أن الإسلام يدعوهم إلى الوحدة في صراحة واضحة لا تحتاج إلى تفسير، ولا إلى تأويل، ولا إلى اجتهاد.
وإن من أسباب وهن الأمة ومحنتها التعلق بالمعاصي والشهوات ، وواللهِ لَمْ يَظْهر أَعداءُ الإسلامِ علينا من اليَهود الصهاينة ومن وقف بجانبهم إلاَّ لِوَهَنٍ حَلَّ فِي صُفُوفِنا، وَأَثَرَةٍ طَغَت علينا، وَتَفَرَّقٍ بعدَ اجتماعٍ، وهذا سِرُّ تَداعِي الأُمَمِ علينا، قالَ نَبِيُّنا مُحَمَّدٌ –صلى الله عليه وآله وسلم-: “يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا”، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: “بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ” قَالَوا: وَمَا الْوَهَنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”.
أخرجه أبو داود وسنده صحيح.
نعم، هَذا هُو مَبعثُ الوَهَنِ حَقِيقَةً، أنْ تَخلُدَ الأُمَّةُ لِدُنْيَاهَا، وتَتَعَلَّقَ بِشهواتِها، وتَرَفِهَا وَلَهْوِهَا فَتَكرَهُ المَوتَ وتُفَضِّلُ حَياةً ذَلِيلةً على مَوتٍ كَرِيمٍ..
العنصر الخامس: تنمية الوعي بأهمية وحدة المسلمين
إن تنمية الوعي بأهمية وحدة المسـلمين كما يأمرهم الإسلام هي الأساس في سبيل التغلب على الواقع المؤلم الذي أوجده هذا التفرق، وأفرزته هذه الإقليمية المقيتة..
وإن ما يحدث من مؤامرات دولية في هذه الأيام ضد العالمين العربي والإسلامي ليس عنا ببعيد، حيث نرى ما يجري في فلسطين ولبنان والسودان من جرائم يقوم بها المحتلون صباح مساء.
والهدف احتلال الأرض ونهب الثروات أو تمزيق وحدة البلاد الإسلامية ، بل وحدة أبناء البلد الواحد أو الوطن الواحد ونهب ثرواته وتمزيق وحدته، ومثال ذلك السودان التي قسمها الاستعمار وخط لذلك منذ سنوات ، إلى شمال وجنوب ومناطق متنازع عليها كإقليم دارفور ، رغم أن السودان كان دائماً بلداً واحداً موحداً عبر تاريخه الطويل..
وإن هذه المخططات الإجرامية تهدف إلى تفتيت الأمتين العربية والإسلامية، وجعلها دويلات ضعيفة متفرقة، فهل ينجح أعداؤنا في ذلك؟..
لذلك يجب على الأمة: أن تجمع شملها، وتوحد صفها، لإفشال هذه المشاريع الاستعمارية الحاقدة التي تعمل على تفتيت الأمة وإضعافها
أيها المسلمون: إن شعبنا الإسلامي أحوج ما يكون إلى الوحدة والمحبة، والتكاتف والتعاضد، ورص الصفوف، وجمع الشمل، وتوحيد الكلمة خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها أمتنا، وفي هذا الوقت العصيب من حياة شعوب عربية وإسلامية مستضعفة، لا ذنب لهم غير أنهم ضعفاء .. تتعرض المدينة المقدسة لخطر التهويد.
كما يتعرض إخواننا لسياسة القتل و الاغتيالات، وهدم المنازل والمصانع، وتجريف الأراضي الزراعية، وتدمير المؤسسات، لننظر إلى الأمهات الثكلى، وإلى النساء الأرامل، وإلى الأيتام والمعوقين، وإلى المنازل والمصانع التي دمرت، والأشجار التي اقتلعت، ولننظر أيضاً إلى ما يحدث في سائر الانتهاكات ، وإلى آلاف الأسرى الأبطال في سجون وزنازين الاحتلال الذين ينتظرون ساعة الفرج والحرية..
وإن الغرب أدرك على يقين أن وحدة أي أمة من الأمم سواه خطر عليه، فأوروبا لم تستطع كتمان حلمها في تفكك الاتحاد السوفيتي الذي يمثل خطرًا حضاريًا، عسكريًّا عليها، فساندت بكل قواها حركات التحرر التي قامت بها دويلاته، حتى استراحت من أحد مصادر القلق الذي كان يؤرق راحتها، وبقي لها عدو آخر هو التحدي الذي يمثله العالم الإسلامي.
إن العالم الإسلامي بتفرُّقه وتنازعه لا يشكل أي هاجس خوف لأحد، لكن العالم الغربي يخشى أن يستيقظ المسلمون من نومهم، فيسارعوا إلى الأخذ بأسباب القوة، والعودة إلى الوحدة.
إن الغرب يعمل جاهدًا على تغذية كل سبب يغذي الفرقة بين المسلمين، ويكرس تباعدهم، ويزيد من تناحرهم.
لقد كثر الحديث عن دويلة في شمال العراق، وأخرى في جنوب السودان، ودويلات في جنوب لبنان، ولم يغمض لأوروبا جفن إلا بعد أن انقسمت البوسنة والهرسك، وبدأت بقع من إندونيسيا بالانفصال، وهكذا.
وفي المقابل ها هي أوروبا تسعى بكل ما تستطيع لتحقيق أكبر قدر من الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لقد سارعوا بعد أن طحنتهم حروب ضروس في الحربين العالمية الأولى والثانية، إلى الاستعلاء على الخلافات الشخصية وتناسي أحقاد الماضي، وتجاوز الفوارق العقدية، وصهر حدود الفرقة..
لا بد من نشر الوعي من خلال فقه أحكام هذا الدين وهدي النبي ﷺ إمام المرسلين ، وسيرة الصالحين والمصلحين ..
وأذكر في هذا الصدد قصة الداعية الذي أغلق المسجد بسبب اختلاف عدد ركعات التراويح، يرى أن اجتماع كلمة المسلمين ووحدتهم في العبادة أهم من الخلاف حول عدد الركعات، وأن صلاة التراويح سنة مؤكدة وليست واجبة، والاجتماع على كلمة واحدة في العبادة مقدم على الاختلاف في في الفروع ..
وقصص الحكماء التي صارت مضرب الأمثال كلما تحدث متحدث عن الوحدة والاصطفاف ..
إن العقلاء من كل ملة ونحلة في القديم والحديث اتفقوا على أن الوحدة سبيل العزة والنصرة، فهذا معن بن زائدة الذي وصفه الإمام الذهبي بقوله: أمير العرب أبو الوليد الشيباني، أحد أبطال الإسلام، وعين الأجواد ، وذلك لما أشرف على الوفاة، استدعى أبناءه السبعة ، وخلَّد لنا التاريخ ما فعله هذا القائد الحكيم ، أمرهم بإحضار رماحهم مجتمعة، وطلب منهم أن يكسروها، فلم يقدر أحدٌ منهم على كسرها مجتمعة، فقال لهم: فرِّقوها، وليتناول كل واحد رمحه ويَكسِره، فكسروها دون عناء كبير، فعند ذلك قال لهم: “اعلموا أن مثلكم مثل هذه الرماح، فما دمتم مجتمعين ومؤتلفين يُعضد بعضكم بعضًا، لا ينال منكم أعداؤكم غرضًا، أما إذا اختلفتم وتفرَّقتم، فإنه يضعُف أمرُكم، ويتمكَّن منكم أعداؤكم، ويصيبكم ما أصاب الرماح :
كونوا جميعًا يا بنيَّ إذا اعترى *** خطبٌ ولا تتفرقوا آحادَا
تأبى الرماح إذا اجتمعنَ تَكسُّرًا *** وإذا افترقنَ تكسَّرت أفرادًا ..
فنحن -المسلمين – جميعا نحلم بالوحدة لنجني ثمارها نخشى أن نكون كتلك العصي المنفردة التي يسهل كسرها، أو نكون كالثيران الثلاثة (الأبيض والأسود والأحمر) الذي أكلهم الأسد الواحد بعد الآخر بعد أن تخلى كل واحدٍ منهم عن الآخر، ولا نريد أن نكون كالنمل الذي تفرق عن أقدام الفيل الذي استطاع أن يدهسها جميعاً دون رحمة..
وقد سلط الله على هذه الأمة أعداءها بسب المعاصي والذنوب فجعلت اجتماعاهم فرقة، وأحالت وحدتهم إلى شتات، وسلبتهم قوتهم، وألبستهم الضعف والهوان وحال أمتنا لا يخفى علينا ..
وقد نُقِلَ في صفحات التاريخ الإسلامي المشرق أن امرأة مسلمة حاول روميا أن يعتدي عليها ، مجرد محاولة ، فصرخت واستغاثت وهي في بلاد الروم: «وامعتصماه» فما كان من الخليفة المعتصم إلا إجابة تلك الاستغاثة وهذا النداء ، فزحف بجيش عرَمْرمٍ لإنقاذها، فصانها، وأدَّبَ وعاقب من أهانها..
وتاريخنا العربي والإسلامي زاخراً بالتقدم في العلوم إبان العصر الزاهر للدولة العربية والإسلامية ، وحقق الانتصارات العسكرية إبان الفتوحات الإسلامية في عصر الدولة الراشدية والأموية والعباسية،وأدخل الكثير من الأمم الأعجمية في صرح الدولة العربية*
لذلك فإن أعداءنا فطنوا إلى أهمية هذه الوحدة، ومدى تأثير الاتحاد في تحقيق المعجزات ، فعملوا على تمزيق هذه الأمة من خلال دبَّ الخلاف والتفرقة بين أبنائها، فتحولت القوة إلى ضعف، والمهابة والعزة إلى الذل والانكسار، وانتقلوا من مُقدمة الأقوام إلى مؤخرتها فتسلط عليهم العدو من كل حدبٍ وصوب ، فانحلت قوة الأمة ووهنت قواها.
إقرأ التاريخَ إذ فيه العبر *** ضاع قومٌ ليس يدرون الخبرْ. (أحمد شوقي)..
وختاماً: إن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى الوحدة والاصطفاف على منهاج هذا الدين وهدي النبي الكريم .. نعم في الاتحاد قوة ، وفي التفرق والتشتت ضعف ، ولن يقوى بناء هذه الأمة إلا بتلاحم أبنائها وباتحادهم وبترابطهم ، وهذا الأمر ليس بدعة وليس بحيلة ، بل إنما هو من أساسيات الدين السماوي الحقيقي ، إنه الدين الذي يَجمع ولايُفرق، يَبني ولايهدم ، وهذا الأمر دعت إليه الأمة الإسلامية في الكثير من الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية ..
وهذه المواقف والمشاهد ليس من أجل الدين وسنة نبيه بقدر ما هو من أجل الإنسان وكرامته وعزة نفسه ..
يا إخوة الإسلام إنه لا قوة ولا شرف ولا قيمة ولا عزة لنا إلا بالإسلام ، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ..
ورضي الله -تعالى- عن فاروق هذه الأمة عندما قال: ” (إنَّا كُنَّا أذَلَّ قَومٍ فأعَزَّنا اللهُ بالإسلامِ، فمهما نطلُبِ العِزَّةَ بغيرِ ما أعزَّنا اللهُ به، أذلَّنا اللَّهُ)”(رواه الحاكم وصححه).
فاللَّهُمَّ أنصر الإسلام وَأعز الْمُسْلِمِينَ ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عليك بالصهاينة المعتدين الذين يَصُدّونَ عن سَبيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ الأرض من تحت أَقْدَامهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ .
اللَّهُمَّ أَنْجِ المسْتَضْعَفِينَ مِنَ المسْلِمينَ فِي فِلَسْطِينَ وفي كلِّ مَكانٍ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمين، واجْعَلْ لَهُم فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وانْصُرْهُم نَصْرًا مُؤَزَّرًا، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم ، وانصرهم ولا تنصر عليهم ، وامكر لهم ولا تمكر عليهم ، وامدهم بمدد من عندك ، واغفر لنا تقصيرنا نحوهم يا رب العالمين.. واحفظ مصر وجيشها وأزهرها الشريف ووحدتها وأمنها وشبابها وأهلها من كل سوء وسائر بلاد الإسلام والمسلمين يارب العالمين ..
وصلِّ اللَّهُمَّ وسَلِّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى أَهْلِ بَيْتِه وَأَزْوَاجِه وَذُرِّيَّتِه، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ