أبعاد العدالة البیئیة
13 يوليو، 2025
الإسلام وبناء الحضارة

بقلم الدكتور: حاتم عبدالمنعم
أحمد أستاذ علم الاجتماع البيئى كلیة البییة جامعة عین شمس
العدالة البیئیة مفھوم شامل لكافة أبعاد البیئة بغض النظر عن الأھمیة النسبیة لكل بعد ویمكن تحدید أھم أبعاد العدالة البیئیة فیما یأتي:
أولاً : البعد الاجتماعي :
البعد الاجتماعي للعدالة البیئیة ھو أھم الأبعاد على الإطلاق، لأن العدالة الاجتماعیة ھي بمثابة القلب والعنصر الرئیسي للعدالة البیئیة، وھي ببساطة تعني إشباع الحاجات الأساسیة للفقراء، والحد من إسراف الأغنیاء ، مما یؤدي للحد من الفوارق بین الطبقات، وھي مسئولیة النظام الحاكم في المقام الأول (زھیر، 1415، 138) وسوف نتناول كل بعد تفصیلاً كالآتي:
1 – إشباع الحاجات الأساسیة للفقراء :
إذا قال الفقر إني ذاھب إلى بلد – قال الكفر خذني معك ھكذا قالوا قدیماً، فقد عرفت الإنسانیة الفقر منذ أعماق التاریخ، ولذلك اھتمت البشریة بھذه القضیة منذ نشأة
البشریة، وھناك مواقف شتى من الفقر نوضحھا فیما یلي (القرضاوي، 1986، ص ص 6:8)
موقف المقدسیین للفقر :
یردد أصحاب ھذا الموقف أن الفقر لیس شراً یجب الخلاص منه، بل ھو نعمة من ﷲ یسوقھا لمن یحب من عباده لیظل قلبھ زاھداً عن الدنیا معلقاً بالآخرة، موصولاً بالله بخلاف الغني الذي یضعف أمام فتنة المال، ولذلك یقدس ھؤلاء الفقر لأنھ إذا كان الجسد یعذب فمن أجل ترقیة الروح، وعلى الفقراء أن یصبروا ویسعدوا بالفقر، وھذا الفكر موجود في بعض الأدیان السماویة وبالتالي لیس ھناك حل لأنه لیس ھناك مشكلة في الفقر من وجھة نظر ھؤلاء.
موقف دعاة الإحسان الفردي والجبریین :
ھذه الطائفة ترى أن الفقر قضاء من السماء لا یجدي معھ علاج، لأن الفقر حتى لو كان شراً فھو مشیئة ﷲ تعالى وقدره، ولو شاء المولى لجعل الناس كلھم أغنیاء، ولكنھ تعالى شاء أن یرفع بعضھم فوق بعض درجات، یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر
لیبلوھم فیما آتاھم ولا راد لقضاء ﷲ قال تعالى {ھو الذي جعلكم خلفاء الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات لیبلوكم فیما أتاكم إن ربك سریع العقاب وإنھ لغفور رحیم}(الأنعام (165) والعلاج المشكلة الفقر من وجھة نظر ھؤلاء ھو الصبر على البلاء، والقناعة فھي كنز لا یفنى، ورضا بالواقع، وعلى الأغنیاء الإحسان والتصدق على الفقراء طواعیة، وھذه نظرة بعض الأدیان السماویة قبل الإسلام (القرضاوي، 1986، ص 6
ویرى الباحث أن موقف الرأسمالیة إمتداداً طبیعیاً لھذا الفكر، فسمحت بالحریة الاقتصادیة المطلقة ووضعت بعض نظم الضمان الاجتماعي للفقراء، ثم ظھور الفكرالشیوعي الذي یرید إلغاء الطبقات، فلم ینجح ولكنھ أدى للحد من الرأسمالیة المتوحشة، فإضطرت للتوسع في برامج رعایة الفقراء من خلال برامج التأمین الاجتماعي والصحي.وإعانة البطالة وغیرھا من خدمات لرعایة الفقراء (2007 ,Allen. Kathy).
موقف الإسلام من الفقر :
بالنسبة لتقدیس الفقر، ینكر الإسلام ذلك ولیس في مدح الفقراء آیة واحدة من القرآن الكریم، ولا حدیث واحد صحیح، صحیح أن ھناك أحادیث في الزھد، ولكن الزاھد ھو من یملك الدنیا ویتركھا بإرادتھ، ویقول الرسول علیھ الصلاه والسلام) نعم المال الصالح للمرء الصالح (القرضاوي، 1986، (11).
موقف الإسلام من الجبریین والإحسان :
بالنسبة لفكرة أن الفقیر مجبر على فقرة، وعلى الغني الإحسان، وأن الفقر قدر ﷲ لا راد لھ، ھذه الأفكار والتي یرددھا للأسف بعض رجال الدین لیست من الإسلام فیقول المولى الكریم: (وَإذَِا قِیلَ لَھُمْ أنَفِقوُاْ مِ َّ ما رِزَقَكُمُ ﷲُ قَالَ الَّ ذِینَ كَفَرُوا للَِّ ذِینَ آمَنُوَاْ أنَُطْعِمُ مَن لَّ وْ یَشَاءُ َّ ﷲُ أطَْعَمَھُ إنِْ أنَتُمْ إ َّ لِا فِي ضَلَالٍ مُبِینٍ) [یس٤١ :الأیة
وھذه الآیة توضح بجلاء أن أصحاب ھذا الفكر في ضلال مبین فالمؤمن الصادق یدفع قدراً بقدر، ولھذا قال عمر رضي ﷲ عنھ حین رجع بمن معھ من الشام خشیة الوباء وقیل لھ أتفر من قدر ﷲ، قال نعم نفر من قدر ﷲ إلى قدر ﷲ (خالد محمد خالد، (244 ،1974
وبالنسبة للإحسان فالإسلام یدعو للإحسان، ولكنھ تجاوز ذلك بدایة من الزكاة، وھي فرض إسلامي أصیل إلى أن یصل إلى تدخل الدولة باسم الشرع، لتأخذ من الأغنیاء ما یحتاجھ جمیع الفقراء، ولا یجوز أن یكون ھناك إنسان واحد من غیر دخل یكفیھ في المجتمع الإسلامي (الغزالي، 2005، 158). بل على الحاكم المسلم أن یقاتل من أجل تحقیق ذلك، فمن یأبى من الأغنیاء أن یعطي ما تطلبھ الدولة، لإشباع حاجات الفقراء، فعلى الدولة أن تقاتلھ )24القرضاوي، 1986، فالإسلام لا یحتاج لتخدیر المشاعر، أو ترك حقوق الفقراء على الأرض وإنتظارھا
بملكوت السماوات، بل إنه لینذر الذین یتساھلون في حقوقھم الشرعیة تحت أي ضغط بسوء العذاب في الآخرة، ویسمیھم ظالمي أنفسھم قال تعالى : (إ َّ نِ الَّ ذِینَ تَوَ َّ فاھُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالمِِيَ أنَْفسُِھِمْ قَالوُاْ فِیمَ كُنتُمْ قَالوُاْ كُ َّ نا مُسْتَضْعَفِینَ فِي الْأرَْضِ قَالوُا ألََمْ تَكُنْ أرَْضُ َّ ﷲِ وَاسِعَةً فَتُھَاجِرُواْ فِیھَا فَأوُْلَئِكَ مَأوَْاھُمْ جَھَ َّ نمُ وَسَاءَتْ مَصِیراً) [سورة: النساء – الآیة: 197، ویقول الإمام ابن حزم فرض على الأغنیاء في كل بلد أن یقوموا بفقرائھا ویجبرھم السلطان على ذلك، إن لم تكفي الزكوات بھا، فیأخذ ما یكفي الفقراء من طعام ولباس وسكن وضرورات (محمود الشرقاوي، (1966 ، (87)، ویضیف الإمام الغزالي أنھ إذا خلت أیدي الجنود من الأموال وخزینة الدولة لا تكفي نفقات الجیش، أو حدثت كارثة داخلیة فعلى الحاكم أن یفرض على الأغنیاء كل ما یحتاجھ الوطن لأنھ إذا تعارض ضرران قصد الشرع دفع أشد الضررین (محمود الشرقاوي، 1966، 116–120).
والإسلام یعتبر للفقیر حق في أموال الأغنیاء وعلیھ أن یقاتل للحصول على حقھ فمن قتل دون مظلمتھ فھو شھید – رواه النسائي وبالتالي فالفقر لیس مفروض علینا، بل ھو صناعة بشریة یصنعھا الأغنیاء، والإسلام یرى أنھ على المسلم رفض ذلك، وعلى الحاكم تعدیل ذلك، ولو استلزم الأمر القتال من اجل القضاء على الفقر، وأخذ حق الفقراء من الأغنیاء، وھذا ینقلنا إلى ما ھي حقوق الفقراء سواء مسلمین أو غیر مسلمین))
وحتى النظم الراسمالية تفعل ذلك عند الضرورة وهذا حدث فى امريكا أكبر دولة راسمالية عندما مرت الدولة بأزمة رفعت الضرايب التصاعدية إلى ٩٢ فى المية على جميع الشركات لحماية المجتمع والوطن فى عصر الريس روزفلت عام 1944 .