هل التبرك بمقام سيدنا إبراهيم عليه السلام شرك أكبر؟

بقلم المحب لدينه ووطنه د : مختار البغدادى

 

هل التبرك بمقام سيدنا إبراهيم عليه السلام شرك أكبر؟

الجواب:

التبرك بمقام سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ ليس شركًا ولا كفرًا، بل هو من شعائر الله، ومن آثار الأنبياء التي عظّمها الله تعالى، والتبرك بها سُنّة نبوية ثابتة عن الصحابة الكرام، ولم يقل أحد من أئمة الإسلام أنه شركٌ، لا قديماً ولا حديثًا، إلا طائفة نشأت في القرن الثامن الهجري ثم ظهرت في الجزيرة العربية بعد قرون.

أولا: ما هو “مقام إبراهيم”؟

قال الله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125]

قال الإمام الطبري في تفسير الآية:

“ومقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقوم عليه حين يرتفع لبناء البيت، وفيه أثر قدميه، وهو الذي أمر الله المؤمنين أن يتخذوا منه مصلى”

تفسير الطبري، 2/485.

وقال الإمام القرطبي:

“فيه معجزة ظاهرة، وهي أثر قدم إبراهيم عليه السلام غائصًا في الحجر”

تفسير القرطبي، 2/110.

ثانيًا: هل التبرك شرك؟

قال الإمام النووي:

“البركة من الله تعالى، ولكن يجعلها في أشياء، ويؤمر بالتبرك بها، كما جعلها في زمزم، وفي مقام إبراهيم، وفي النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره”

شرح النووي على مسلم، 14/44.

وقال ابن حجر العسقلاني:

“كان الصحابة يتبركون بآثار النبي ﷺ في حياته وبعد وفاته، وأجمع العلماء على جواز التبرك بآثاره”

فتح الباري، 10/353.

ثالثًا: تبرك الصحابة بآثار النبي ﷺ:

عن أنس رضي الله عنه قال:

رأيت رسول الله ﷺ حين حلق رأسه بمنى، فأعطى الحلاق شقّه الأيمن، فوزعه أبو طلحة على الناس، ثم الشق الآخر، وقال: هو لهم.”

صحيح مسلم، رقم 1305

(دليل على التبرك بشعر النبي، وتوزيعه على الصحابة بإقرار النبي).

عن خالد بن الوليد رضي الله عنه

“كان في قلنسوته شعرة من شعر النبي ﷺ، وكان إذا قاتل بها انتصر.”

فتح الباري لابن حجر، 10/353.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه:

“كان يضع يده على المنبر الذي كان رسول الله ﷺ يخطب عليه، ثم يمسح بها وجهه.”

السيوطي في الحاوي للفتاوي، 2/247

أبو نعيم في الحلية، 6/323

(وهو أثر صحيح بشواهده).

وأخرج أبو يعلى في مسنده أن بلالًا رضي الله عنه وضع وجهه على قبر النبي ﷺ يبكي

مسند أبي يعلى، رقم 6780، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح

وورد أيضاً في مجمع الزوائد، 8/42.

رابعًا: ما الفرق بين التبرك والشرك؟

قال الإمام الغزالي:

“الفَرْق بين تعظيم آثار الأنبياء، وبين عبادة الأصنام، أن عبادة الأصنام كانت على اعتقاد أن لها تأثيرًا بذاتها، وأما تعظيم آثار الأنبياء فهو من تعظيم الله لهم، واعتقاد البركة من الله جعلها فيهم”

إحياء علوم الدين 1/259.

وقال الإمام السبكي:

“من تبرك بآثار الصالحين، أو توسل بهم، لم يكن مشركًا، بل متبعًا للنبي ﷺ وصحابته.”

شفاء السقام، للسبكي، ص 297.

خامسًا: من الذي قال إن هذا شرك؟

لا أحد من الأئمة الأربعة قال بأن التبرك بمقام إبراهيم شرك، ولا يوجد في كتبهم ذلك قط.

لم يقل بهذا مالك، ولا أبو حنيفة، ولا الشافعي، ولا أحمد، ولا ابن عبد البر، ولا النووي، ولا ابن حجر، ولا السيوطي، ولا الغزالي.

بل جميعهم أثبتوا أن التبرك بآثار الأنبياء والصالحين من السنن، لا من الشركيات.

وإنما قال بهذا بعض المتأخرين المتشددين كابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وأخذ ذلك عنهم محمد بن عبد الوهاب ومن تبعه.

قال الإمام السمهودي (ت 911 هـ):

“ظهر في القرن الثامن من ينكر التبرك بالقبور والآثار، مع أن الناس عليه من القرون، ولم يُنكِر ذلك أحد من الأئمة.”

وفاء الوفا، للسمهودي، 4/1375.

التبرك بمقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ مشروع بنص القرآن،

وكان المسلمون ولا يزالون يتبركون بآثار الأنبياء والصالحين،

ولم يقل أحد من أئمة الأمة أن هذا شرك،

ومن اتهم الناس في الحرم بالشرك فقد تجرأ على الله، وتعدّى حدود العلم، وضلّ سواء السبيل.

والله يقول: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36].