خطورة التكفير على الأفراد والمجتمعات
22 يناير، 2025
منبر الدعاة

بقلم الدكتور : مصطفى سعفان ( إمام وخطيب بوزارة الأوقاف )
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وسلم تسليما كثيرا وبعد .
فإن الدين الإسلامي الحنيف هو دين العلم والتعلم والسهولة واليسر ، وقد ابتلى الناس فى هذا الزمان بطائفة يكفرونهم ويفسقونهم ، ويرون أنفسهم فقط على الحق ، ومن سواهم على الباطل ، فهم يهرفون بما لا يعرفون .
فتجد أن كل ناعق يتكلم فى أمور الدين ، لذلك نطوف فى هذه السطور مع خطورة التكفير والفتيا بغير علم .
أولا : حذرنا سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم من تكفير الناس بغير علم حتى لا نأخذ إثم الكفر ، فعند البخاري عن أبى ذر رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يرمى رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر الا ردت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك)
وعند مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )
فمن يرمى أحدا بالكفر ولم ير كفرا بواحا معه فيه من الله برهان فقد أخذ الإثم ونال ذنب الكفر
ثانيا : ان من يكفر الناس يحرم عليه أن ينفى عنه الإيمان طالما أنه أظهره قال تعالى (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة )
وعند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) .
ثالثا : على من يكفرون الناس أن يحذروا لعنهم لأنه ذنب عظيم فعند مسلم عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ليس على رجل نذر فيما لا يملك ولعن المؤمن كقتله ) .
رابعا : يا من تكفرون الناس يحرم عليكم أن ترموهم بالكفر بعدما نطقوا بالشهادتين فلكم الظاهر ، والله هو الذى يحاسب على السرائر، وما موقف أسامة بن زيد ببعيد عن حضراتكم عندما قتل الرجل بعدما نطق بالشهادتين فقال له رسول الله صلى الله عليه (أقال لا إله إلا الله وقتلته ، قال يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفا أم لا )
وفى الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بى وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله)
والسؤال الذى يطرح نفسه ما هو الداعي إلى تكفير الناس ؟
أولا : الجهل الذريع لأن الذين يكفرون الناس ويستحلون الدماء المحرمة يظنون أنهم علماء وهم أجهل الجهلاء عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم ( ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )
قال تعالى ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)
ثانيا : اتباع الهوى وذلك في تكفير المخالف وذمه والعيب فيه قال تعالى ( أفرأيت من اتخذ الهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون )
ثالثا : حداثة السن وقلة التجارب فهم أصحاب عاطفة بلا علم أو حكمة عند البخارى قال الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم ( يأتى فى آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم … )
رابعا : سوء الظن والنبى صلى الله عليه وسلم حذرنا من ذلك فقال ( اياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) وقال تعالى ( يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن إثم)
خامسا : التعصب الأعمى سواء كان لرأى أو لجماعة أو لعادات وتقاليد قال تعالى ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم )
كيف نعالج ظاهرة التكفير :
أولا : التفقه فى الدين قال تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )
وقال صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين)
ثانيا : الحكمة والموعظة الحسنة قال تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)
ثالثا :بيان وسطية الإسلام التى لا غلو ولا تطرف فيها ولا تسيب ولا انحلال قال تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا )
رابعا : بيان حرمة قتل النفس والاعتداء على الآمنين وأن ذلك جريمة نكراء قال تعالى ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) وقال تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)
خامسا: تفعيل دور وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة وكذلك عقد الندوات واللقاءات وتضمين المناهج الدراسية ما يوضح خطورة وضرر التكفير على الأفراد والمجتمعات