الفوضى الخلاقة في الوطن العربي

بقلم الدكتور حاتم عبد المنعم أستاذ علم الاجتماع البيئى بجامعة عين شمس 

سلسلة الدين والسياسة السماء الصافية والبحر العميق المقال السابع

يمثل الوطن العربي موقع استراتيجي هام للعالم أجمع سواء من حيث الموقع أو الموضع فمن حيث الموقع وما يمثله للعالم نجد أن الوطن العربي يقع في قلب أسيا وأفريقيا ومجاور لاوروبا وقريب نسبيا من أمريكا واستراليا ويطل على أهم الممرات الدولية مثل قناة السويس التي تصل البحرين إلى باب المندب إلى مضيق هرمز ومضيق جبل طارق ومن حيث الموضع يتكون الوطن العربي من22 دولة على مساحة أرض تقترب من نحو 14 مليون كم مربع والوطن العربي بذلك يحتل المركز الثاني بعد روسيا من حيث المساحة

ومن ثم يملك مساحة ذات أهمية عظمى تعطيه حرية الحركة ومميزات كثيرة أخرى ويكفى هنا لتوضيح أهمية هذه المساحة المقارنة بالعدو الذى يعيش في مساحة محدودة جدا لا تمكنه حتى من حرية استخدام أسلحته ويملك الوطن العربي أرضى زراعية وموارد طبيعية مختلفة تمكنه من تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير الخارجي وينتج 25%من إنتاج النفط العالمي ويحتوى هذا الموضع داخل أراضيه على 65% من الاحتياطي العالمي للنفط ونحو ثلث احتياطي الغاز ويصل عدد سكانه الى 412 مليون ويأتي في المرتبة الثالثة بعد الصين والهند

مع ملاحظة أن هؤلاء السكان احفاد حضارات عريقة بدايه من إنه مهبط الأديان السماوية ومنبع الحضارات من المصرية القديمة إلى حضارة العراق واليمن إلى الحضارة الإسلامية وغيرها ويقترب الناتج القومي الإجمالي من نحو ثلاث تريليون دولار ويضم جيوشا يقترب عددها من نحو ثلاث مليون وينفق على التسلح أكثر من قارة بأكملها .

كل ما سبق مجرد فكرة مبسطة عن امكانيات وثروات وطنا التي لو أحسن ادارتها لأصبح للوطن العربي مكانة كبرى وسط القوى العالمية وخاصة وأن عوامل الوحدة والتكامل والتجانس بين جميع بلدانه أقوى بكثير من دول الاتحاد الأوربي مثلا أو حتى شعوب الولايات المتحدة الامريكية التي تضم جنسيات ولغات واصول مختلفة وأي مقارنة موضعية بين عوامل الوحدة والتكامل بين مواطنين الوطن العربي وغيرهم من مواطني أمريكا أو الاتحاد الأوربي توضح أن دول وطننا العربي يجمعهم تاريخ ولغة وثقافة ومصالح أكبر من أي تجمعات أخرى ولديهم مصادر قوى لو تجمعت لأصبحت الولايات المتحدة العربية في مقدمة قوى العالم.

ولكل ما سبق كان وطننا ومازال وسيظل مستهدفا لمؤامرات الفوضى والصراعات الدولية حول موارده وإمكانياته ويقول حمدان عن مصر إنها تتمتع بموقع استراتيجي هام للعالم و بموضع غنى مما يجعلها مستهدفة دائما من كل القوى المحيطة بحكم الجغرافيا ولذلك يؤكد تاريخ مصر أنه لا يوجد أمامها سوى طريقين فقط إما التوسع والخروج خارج حدودها لتكوين إمبراطورية دفاعية وإما الإنكفاء والكمون والرضا بالمستعمرة هذه حقائق التاريخ التي تحتمها الجغرافيا ومصر مثال وتمثل وطنها الكبير وأعتقد أن ما قالة حمدان عن مصر ينطبق لحد كبير على وطننا العربي أما وحدة وقوى عظمى يحترمها ويخشاها الجميع وإما الرضا بالمستعمرة وهذا يعنى إما أن نكون فاعليين ومؤثرين فيمن حولنا أو نكون مفعول به وعرضه لمؤامرات التقسيم والاقتتال الداخلي.

ومن هنا أهمية دراسة عوامل الضعف القائمة في وطننا للعمل على التخلص منها و إزالة كافة أشكال الخلاف والمشاكل لمواجه مؤامرات الفوضى وفى هذا فليجتهد الجميع في دراسة وبحث هذه المشكلات وكيفية المواجهة لأن الوقت ليس في صالحنا جميعا والمؤامرات تتزايد في الكم والحدة والعالم الأن يعيد تشكيله بعد حرب أوكرانيا حيث تتراجع أمريكا والغرب وتتقدم الصين والهند وروسيا والفرصة متاحة لأن يكون للعرب موقعا كبيرا وهاما في العالم الجديد وأعتقد أن نقطة البداية لمواجهة الفوضى والتي تعنى عدم وجود قائد تكون بعودة مصر للقيادة وذلك ليس بالكلام أو الأمنيات ولكن بالقدرات والعطاء وطبيعي أن يستلزم ذلك الكثير من الوقت والجهد.

وبدايه هذا لا يعنى وحدة عربية شاملة ولكن على الأقل اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوربي أو مجلس التعاون الخليجي أو ما شابه لتوحيد المواقف والمصالح المشتركة وقيادة مصر ليست شرفا أو وجاهة لأن قيادة مصر مستمدة من حقائق جغرافية وتاريخية عميقة وليس تعصبا فمصر حلقة الوصل بين آسيا العربية وأفريقيا العربية وهى عاصمة العرب وتمثل نحو 25% من سكان وطننا ومالا يقل عن 50% من القوى الناعمة العربية من علماء ومفكرين وفنانين والتاريخ يؤكد عندما كانت مصر قوية وفى القيادة استطاعت تحرير أراضي وثروات الوطن العربي بل والعالم الثالث في الخمسينيات والستينيات ووقفت ضد مشروعات الفوضى الخلاقة التي حاولت تقسيم لبنان وفرض جميل شمعون ثم ضد تهديد عبد الكريم قاسم بغزو الكويت وضد أطماع شاه إيران ضد العراق والأطماع التركية في سوريا

وللأسف بعد كامب ديفيد وتراجع مصر عن القيادة تم اعادة وتنفيذ كل هذه المؤامرات بنجاح لغياب القائد كما أنه أثناء قيادة مصر كان الدور التركي والإيراني محدودا وصغيرا ولكن تراجع الدور المصري سمح بتوسع كلاهما ومن ثم تهديدهما المباشر للأمن القومي المصري والعربي.

ونعانى جميعا كعرب الأن من اخطار وأطماع إيران وتركيا في وطننا العربى واعتقد أن لهما دورا مؤثرا في مؤامرات الفوضى الخلاقة لتقسيمه بل وخلق النزاعات المذهبية داخل البلد الواحد واتخاذ العدو صديق رغم أطماعه التاريخية المعروفة والحل الوحيد لتحجيم كل هؤلاء هو استعادة الدور المصري في القيادة فهذه مصلحة مصر والعرب لأنه كما يقول جمال حمدان أن بالشرق ثلاث قوى عظمى بحكم الجغرافيا والتاريخ والسكان وهم مصر وإيران وتركيا وتراجع دور وقوة أي منهم يكون لمصلحة الآخرتين.

هذه هي نفطة البداية لمواجهة الفوضى الخلاقة في وطننا وكما يقول ميلاد حنا أن مصر بمثابة عمود الخيمة العربية وإذا سقط هذا العمود وقعت الخيمة وأصبح هذا العمود مجرد قطع حديد ليس له قيمة وخسرت مصر و العرب وبعد ذلك هناك مشكلات هامة لابد من مواجهتها وأهمها الفتنة المذهبية وهى نقطة الضعف التي نجحوا من خلالها في تمزيق العراق وسوريا واليمن وهناك مشكلات الديموقراطية والفقر وغيرها وهى بالطبع تختلف نسبيا من قطر لأخر وغير ذلك من مشكلات ومن ناحية أخرى فان الوطن العربي هو حصن الإسلام الأول وهنا يقول الشيخ الشعراوي في مرثيته لجمال عبد الناصر أن ناصر اهتم بالبعد العربي وجعله نشيدا على كل لسان وهذا هو الطريق الحق فلابد أن تتوحد العروبة لنصبح بنعمة الله يدا واحدة واخوانا

حتى يمكن بعث الإسلام على مثل ميلاده فإنه لا يصلح آخر هذا الأمر إلا بما صلح به أوله بمعنى أن وحدة الإسلام تبدا بوحدة العرب كما بدأ الإسلام بذلك هذا قول الشعراوي ومن هنا نفهم العداء لدعوة الوحدة العربية لأنها مهد وحدة الإسلام ومن يحارب العروبة يحارب الإسلام ومن هنا نفهم العداء لكل من دعا إلى العروبة ووحدة الصف العربي مثل صدام والقذافي فكانوا دائما عرضه للتشوية والهجوم من اتباع الماسونية وحلم إسرائيل من النيل إلى الفرات وللأسف هناك من خدمهم بعلم وبمقابل وهناك من خدمهم بجهل وسذاجة وخاصة من رجال الدين أو من يدعون ذل