الشعب المصري متدين بطبعه


بقلم الشيخ : مصطفى عبدالكريم الأَزْهريّ المالكيِّ

ليس التدين في مصر ظاهرة طارئة، ولا موجة عابرة، بل هو جزء أصيل من تكوين الشخصية المصرية، متجذّر في الوعي الجمعي،حاضر في تفاصيل الحياة اليومية، وفي الفرح والحزن وفي الكلمة والنغمة والدعاء.

فالمصري بطبيعته لا يفصل بين الدين والحياة؛

يبدأ يومه باسم الله،ويستعين بالله في شدته،ويحمده في رخائه،ويأنس بسماع القرآن كما يأنس بالهواء الذي يتنفسه.

ولعل من أبرز الشواهد المعاصرة على هذا التديّن الفطري، ذلك التعلّق الشعبي اللافت ببرنامج «دولة التلاوة» الذي تحوّل من مجرد مسابقة إلى حالة وجدانية عامة.

برنامج قرآني يجتمع الناس حوله، يتابعونه بشغف، يتأثرون، يحزنون لخروج متسابق، ويفرحون لتألق آخر، وكأنهم لا يشاهدون أصواتًا تتنافس، بل أرواحًا تعبّر عن القرآن.

★وقد رأينا اليوم كيف حزن الناس على خروج أحد المتسابقين، لا لأنه خسر مسابقة، بل لأن صوته مسّ القلوب، وأيقظ شيئًا ساكنًا في الداخل.

وهنا تتجلّى الحقيقة:

أن المصري لا ينحاز للصوت الأقوى فقط، بل للصوت الأصدق، الذي يحمل خشوعًا، ويستدعي معنى، ويُشعر السامع بأن القرآن لا يُتلى فحسب، بل يُعاش.

ومع توالي الحلقات، ستزداد المشاعر، وستشتد المفارقات، وستخرج أصواتٌ كان الناس يظنون أنه مستحيل الاستغناء عنها، ومع ذلك ستُستبعد…

وهذا الحزن المتكرر ليس دليل ضعف، بل دليل حياة قلب، ودليل ارتباط عميق بكلام الله، وبمن يحملونه في صدورهم.

إن تعلق الناس ببرامج القرآن، وبالمقرئين، وبالمنشدين، وبالمواسم الدينية، ليس تديّنًا شكليًا كما يظن البعض، بل هو تديّن وجداني، قد تخبو مظاهره أحيانًا، لكنه لا يموت، لأنه نابع من الفطرة.

فالشعب المصري، مهما تغيّرت الظروف، وتبدّلت الأزمنة، يظل:
يميل للقرآن،يأنس بالذكر،ويحترم أهل الصوت الحسن إذا اقترن بالخشوع.

ومن يظن أن الدين لم يعد حاضرًا في وجدان هذا الشعب، فليتأمل فقط: كيف يجتمع الناس على آية،وكيف تختلف أذواقهم، لكن تتوحّد قلوبهم عند سماع القرآن.

نعم… الشعب المصري متدين بطبعه،وستظل التلاوة شاهدًا حيًّا على ذلك.