
بقلم الدكتور : مصطفى طاهر رضوان
عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والفلسفة
كلية أصول الدين والدعوة جامعة الأزهر الشريف
وعضو وحدة التأليف بمركز الإمام الأشعري بالأزهر الشريف
الأزهر الشريف ( علماء حق ):
كثيرٌ من الناس يستحضرون نماذج مضيئة من السادة العلماء الأزاهرة الربانيين، الذين عُرفوا بالوقوف مع الحق، واشتهروا بالصدق، وتفرّدوا بالأمانة العلمية، ولم يساوموا على دينهم، ولم يتخذوا من النفاق سلّمًا ولا من المداهنة طريقًا، ويتناقل الناس سيرتهم الطيبة بإجلال، ويذكرون أسماءً خالدة، أمثال:
الشيخ محمد الراوي،
والشيخ محمد الغزالي،
والشيخ عطية صقر،
والدكتور محمد المسير،
والدكتور محمود مزروعة،
والدكتور إبراهيم الخولي،
والدكتور محمد عمارة،
والدكتور حسن الشافعي،
وغيرهم من القمم الشامخة والرجال العظام كثير.
ويظن كثير من الناس أن هذه النماذج في مؤسسة الأزهر نادرة، أو أنها كانت استثناءات عابرة في تاريخ طويل، والحقيقة غير ذلك؛ فهذه النماذج كثيرة لا تكاد تُحصى، موجودة في كل زمن، حاضرة في كل مكان، وفي كل معهد، وفي كل كلية، وفي كل مؤسسة أزهرية، لكنها لا تُرى.
لا لأنّها غير موجودة، بل لأن الشهرة لم تُخلق لها، والظهور ليس من طباعها، وبريق الإعلام الزائف لا يلتفت إليها، وتصدُّر المشهد العام والعمل الإداري ليس من نصيبها.
تارةً يُقصَون عمدًا، وتارةً يُهمَلون، وتارةً يُهمَّشون لأنهم لا يجيدون فن التنازل ولا يحسنون لغة التزييف، ولا يعرفون شيئا من المجاملات والتطبيل والتملق، وتارةً لأن الشهرة — في هذا الزمان — لا ينالها إلا السطحيون، ولا يتقنها إلا قليلو العلم والثقافة، إذ يسهل عليهم مخاطبة جمهور أُنهك فكره وأُضعفت ذائقته، وتارةً أخرى لأنهم آثروا العزوف عن الظهور، ورضوا بالخمول في أعين الناس، طلبًا للسلامة في الدنيا وحفظًا للدين.
ولهذا ترى كثيرًا ممن يتصدرون الساحة اليوم، ويمتطون صهوة الإعلام، ليسوا من العلماء الربانيين، بل من المنافقين أو المداهنين أو السطحيين أو أصحاب الأصوات العالية والعلوم الضحلة، أو حتى ممن يكتفون بالكلام في الموضوعات الهامشية والمواعظ الخطابية، ولا يقتربون من مواطن الفكر أو بواطن الأمور، ولا يضعون أياديهم على جراح الأمة الدامية، بل ترى كثيرًا ممن تقلدوا المناصب الإدارية والعمادات والمواقع القيادية، لا بضاعة لهم في علم، ولا نصيب لهم من فقه، ولا كفاءة لهم في إدارة، بل ربما فاح من بعضهم فسادٌ يزكم الأنوف، إذ إن المفسدين البارزين على الساحة — للأسف — كُثُر، وصمتُ الشرفاء عنهم أشدُّ إيلامًا من ضجيجهم.


مجلة روح الاسلام فيض المعارف