خطبة الجمعة القادمة بعنوان (صحح مفاهيمك)  للدكتور : أيمن حمدى الحداد


خطبة الجمعة القادمة بعنوان (صحح مفاهيمك) 

للدكتور : أيمن حمدى الحداد

الحمد لله رب العالمين هو الأول فلا شىء قبله وهو الآخر فلا شىء بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين،

وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: إن بناء الإنسان وصياغة العقول والنفوس صياغة فريدة هو الأساس الذى قامت عليه دعوة سيدنا رسول الله ﷺ؛ لقد بُعث ﷺ فوجد الناس قد أدمنوا الكثير من المفاهيم الخاطئة والمغلوطة مما تسبب في الإنحرافات العقدية والسلوكية والأخلاقية والمجتمعية فقام ﷺ بتقويم وتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة؛ قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾(الجمعة: ٢-٤)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ»، و في روايةٍ: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالحَ الأخلاق» رواه البزار والبيهقى وأحمد.

عباد الله: إن الأفكار الخاطئة، والمفاهيم المنحرفة تؤدى إلى تمزيق الروابط الاجتماعية والأخلاقية التى هى بمثابة صمام الأمان لأى مجتمع، ومن هنا كانت الضرورة تقضتى تصحيح هذه الأفكار الخاطئة والمفاهيم المنحرفة، وإن من أخطر المفاهيم السلبية التى يجب أن تصحح ما يلى؛

♦أولاً: الغش فى الإمتحانات؛ إن الغش فى الإمتحانات يكرّس سلبيات وخيمة مثل الكذب واللامسؤولية، ويؤدي إلى نتائج غير مستحقة ويؤثر سلباً على المجتمع بتخريج أجيال غير مؤهلة، ويؤدى كذلك إلى أضرار أخلاقية ونفسية ولا شك أن من يغش في الامتحانات يخدع نفسه ويسرق مجهود غيره ومن يرضى بذلك يعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله ورسوله.

– لقد حرم ديننا الحنيف كل مظاهر الغش؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ: «مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النَّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي» رواه مسلم.

– إننا بحاجة إلى غرس مراقبة الله عز وجل في نفوسنا ونفوس أبنائنا، في جميع أحوالنا وأعمالنا، في ضعفنا وقوتنا، في غنانا وفقرنا، في حركاتنا وسكناتنا؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(المجادلة: ٧)،

– لقد اشتكى الناس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من غشِّ بائعي اللبن بالماء، فأمر أحد رجاله بأن ينادي في بائعي اللبن بألا يغشون اللبن، فدخل المنادي إلى السوق ونادى: يا بائعي اللبن، لا تَشُوبوا اللبن بالماء، فتغُشُّوا المسلمين، ومن يفعل فسوف يعاقبه أمير المؤمنين عقابًا شديداً.

وفي ذات ليلة خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع خادمه – أسلم – ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفي إحدى الطرق جلس ليستريح من التجوال إلى جانب أحد الجدران، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه – أي اخلطيه – بالماء، فقالت الابنة: يا أُماه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟! قالت الأم: وما كان من عزمته؟ قالت: إنه أمر مناديًا فنادى: لا يُشَابُ اللبن بالماء، فقالت الأم: يا بُنيَّتي، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر، فقالت الصبية: والله ما كنت أطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فربُّ أمير المؤمنين يرانا، ولَما سمع عمر بن الخطاب ذلك أُعجِب بالفتاة لمراقبتها وخشيتها لله، وقال: يا أسلم، حدِّد الباب بعلامة، واعرِف الموضع، ثم مضى، فلما أصبح قال: يا أسلم، امضِ إلى الموضع فانظر من القائلة؟ ومن المقول لها؟ وهل لهما من بعل – زوج – فذهب أسلم إلى المكان، فوجد امرأة عجوزًا، وابنتها أم عمارة، وعلم أنْ ليس لهما رجل، ثم عاد فأخبر عمر بن الخطاب.

دعا عمر بن الخطاب أولاده، فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوِّجه، ولو كان بأبيكم حَركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية، فقال عبد الله بن عمر: لي زوجة، وقال أخوه عبد الرحمن: لي زوجة، وقال ثالثهما عاصم: يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني، فبعث إلى الجارية فزوَّجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتًا، ولدت هذه البنت ابنة صارت أم “عمر بن عبد العزيز”، خامس الخلفاء الراشدين – رضي الله عنه – إنها أم عمارة بنت سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، فأكرمها الله في الدنيا بزواجها من ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وجعل من نسلها أميرًا للمؤمنين هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز الذي ملأ الأرض عدلًا ورحمة.
– إن تخلُّف المسلمين عن ركب الحضارة في هذا العصر من أهم أسبابه فساد الضمائر والتخلى عن
منهج الإسلام فى تحمل المسؤولية؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ» متفق عليه.

– إن الغش في الامتحانات يدل على خلل كبير في تربيتنا لأبنائنا، وهذا ينذر بخطر عظيم، لأننا بذلك نقدم للمجتمع قيادات غير صالحة يُسنَدُ إليها من الأمور ما لا تجيده ولا تتقنه ولا تعرفه، فتتضرّرُ الأمة وتضيع الحقوق. وهذا ما حذر منه سيدنا رسول الله ﷺ حين قال للأعرابي الذي سأله: متى الساعة؟ فقال: «إذا ضُيّعَتِ الأمانة فانتظر الساعة» قال: كيف إضاعتُها يا رسول الله؟ قال: «إذا أسْنِدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» رواه البخارى من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.

فاتقوا الله عباد الله: واغرسوا فى قلوب أبنائكم مراقبة الله عز وجل فى السر والعلن.
♦ثانياً: تخريب الممتلكات العامة؛ إن الإعتداء على الممتلكات العامة من أخطر السلبيات والمفاهيم التى يجب أن تصحح لشدة حرمة المال العام، ولقد حثت شريعتنا الغراء على رعاية المال العام، والمحافظة عليه وحمايته من التلف، وجعلت الحرص عليه من علامات الصلاح والبر وصدق الإيمان؛ قال تعالى:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب﴾(المائدة:٢)، والمال العام يدخل فى كل المنافع المشتركة وجميع الأنظمة والبنى التحتية التي تبنيها الدولة وتُديرها، كالمدارس والجامعات والمصانع والجسور والأنفاق والفنادق والمكتبات والحدائق والمجمعات السكنية والأسواق والمطارات وهذه المنافع ضروريّةً لتحسين المستوى المعيشي للناس وتلبية حاجاتهم الأساسية، ولا يمكن أن تسير الحياة بدونها.

— لقد جعل الإسلام التعدى على المال العام والمنافع المشتركة لوناً من الفساد المنهى عنه؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ (الأعراف: ٥٦)، والإفساد فى الأرض من صفات أهل الزيغ والنفاق؛ قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ (البقرة: ٢٠٥)،

قال الإمام القرطبي: والآية بعمومها تعم كل فسادٍ كان في أرضٍ أو مالٍ أو دِيْن.
– ولقد شدد سيدنا رسول الله ﷺ على حرمة التعدى على المال العام؛ فعن خولة الأنصارية قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مال الله بغير حق؛ فلهم النار يوم القيامة» رواه البخاري.

وبين ﷺ أن الغلول يمنع صاحبه من دخول الجنة وإن قُتل شهيداً؛ فعن أبي هريرة قال: «خرجْنا مع رسول الله ﷺ يوم “خَيْبَر”، فلم نَغْنمْ ذهبًا ولا فِضَّة، إلاَّ الأموال والثياب والمتاع، فأهْدَى رجلٌ من بني الضُّبَيْب يُقال له: رِفَاعة بن زيد لرسول الله ﷺ غلامًا يُقال له: “مِدْعَم” فوجَّه رسولُ الله ﷺ إلى وادي القُرى، حتى إذا كان بوادي القُرى، بينما “مِدْعَم” يحطُّ رحْلاً لرسول الله ﷺ إذا سَهْمٌ عائِر فقَتَله، فقال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال رسول الله ﷺ: «كلاَّ والذي نفسي بيده، إنَّ الشَّمْلَة التي أخَذَها يومَ “خَيْبَر” من المغانم لَم تُصِبْها المقاسِمُ، لتَشْتَعِلُ عليه نارًا» متفق عليه.

وعنه قال: «قام فينا النبي ﷺ فذكَرَ الغُلول، فعظَّمه وعظَّمَ أمرَه، قال: «لا ألفِيَنَّ أحدَكم يومَ القيامة على رَقبته شاة لها ثُغاء، على رَقبته فرس له حَمْحَمة، يقول: يا رسول الله، أغِثْني؟ فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبْلَغْتُك، وعلى رَقَبته بعيرٌ له رُغاء، يقول: يا رسول الله، أغِثْني؟ فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك، وعلى رَقَبته صامتٌ، فيقول: يا رسول الله، أغِثْني؟ فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك، أو على رَقَبته رِقَاعٌ تَخْفِق، فيقول: يا رسول الله، أغِثْنى؟ فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك»رواه البخارى.

فما بال أقوام لا يراقبون الله عز وجل فيما استرعاهم الله فيه، فيعتدون على المال العام وعلى المنافع المشتركة والأماكن العامة بشتى الوسائل المحرمة، كالغلول والسرقة، وعدم إتقان العمل وإضاعة الوقت والتربُّح من الوظيفة وسرقة التيار الكهربى، والإعتداء على الممتلكات العامَّة كالحدائق والمستشفيات والمتنزهات، واستخدام الأشياء الخاصة بالعمل استخداماً سخصياً!!

– ومن المفاهيم السلبية إلحاق الأذى بالأماكن العامة والمرافق؛ فعن أبي هريرة: أن النبي ﷺ قال: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ»، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»رواه مسلم.

وقد أخرجَ الطبرانِيُّ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ آذَى المُسْلِمِينَ في طُرقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ»، ويدخلُ في الأذَى التعدى على الطريق فنجد بعض أصحاب المحال والمقاهى يحتل الأرصفة ويستخدمها استخداماً خاصاً فيضيق على الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

– ومن المفاهيم السلبية التخلى عن الأمر بالمعروف بمعروف والنهى عن المنكر بغير منكر؛ قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (آل عمران: ١١٠)،

قال القرطبي رحمه الله: إنما صارت أمة محمد ﷺ خير أمة، لأن المسلمين منهم أكثر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى.

فى حين تجد أن البعض قد يعلن بالمعاصي فى الطريق العام ووسائل المواصلات، فيطلقون السُباب والشتائم، وبدعوى الحريات والتحرر تخرج بعض النساء والفتيات إلى العمل والأماكن العامة، وهن يرتدين ملابس تخالف تعاليم الإسلام وأعراف مجمعاتنا المحافظة، والسؤال هل فعل المنكرات، وإيذاء مشاعر الناس صار من الحريات؟!

– ومن المفاهيم السلبية عدم المحافظة على الثروة المائية؛ إن الماء هو سر الحياة والأساس على كوكب الأرض، ومن نعم الله عز وجل علينا أن جعل ثلاثة أرباع الأرض مياه وهذا ما أدى إلى تسمية كوكب الأرض بالكوكب الأزرق الذي تتنوع فيه أنواع وأشكال الماء، الذي منه الماء العذب، والماء المالح، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾(الأنبياء: ٣٠)، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾(النور: ٤٥)، وقال تعالى:﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ (النحل: ٦٥)، ويعد تلويث المياه من أخطر ما يستهين به البعض فيقوم بصرف مياه الصرف الصحى على مجرى النيل أو صرف نفايات المصانع، وهذا مُحرم شرعاً لما يترتب على ذلك من أضرار كانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة، ولقد شدد سيدنا رسول الله ﷺ فى النهى عن ذلك، فَعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» رواه مسلم.

وفي رواية: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» متفق عليه.
– ومن السلبيات أيضا الاسراف فى استخدام المياه؛ نلاحظ أن بعض الناس عندما يستخدم المياه فى الأماكن العامة يُسرف فى ذلك، لا سميا تلك المرافق الملحقة بدور العبادة والأندية والمتنزهات العامة، ولقد دعانا ديننا الحنيف إلى ترشيد استهلاك المياه، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ عَلَى سَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ:«مَا هَذَا السَّرَفُ؟» فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إسْرَافٌ؟ قَالَ:«نَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
ولقد جاء أعرابى إلى النبي ﷺ يسأله عن الوضوء؟ فأراه الوضوءَ ثلاثًا ثلاثًا، ثمَّ قال: «هَكذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ»رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

قال الشوكاني في نيل الأوطار: وفي الحديث دليل على أنَّ مجاوزة الثَّلاث الغسلات من الاعتداء في الماء.
والعجيب رغماً من دعوة الإسلام للحفاظ على الماء لأنه من المنافع العامة والمشتركة بين الناس

إلا أننا نجد من يسرف ويهدر فى استعماله بيد أن هناك كثير من الذين يعانون من ندرة المياه، فهل ما يفعله هؤلاء إلا نوع من كفر النعمة وعدم القيام بشكرها؟!
فاتقوا الله عباد الله: وحافظوا على المنافع المشتركة والأماكن العامة، تفوزوا برضوان ربكم جل وعلا.

أقول قولي هذا واستغفر الله لى ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: إن واقعنا المعاصر الذي نشكو منه جميعاً إنما هو حصيلة الانحراف الذي أصاب مفاهيمنا وأفكارنا فكان لزاماً علينا أن نبدأ بالتجاوب مع دعوة الإسلام إلى تصحيح المفاهيم حتى تتبدل وتتغير أحوالنا إلى أحسن حال؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾(الرعد: ١١)،

♦ثالثاً: الخلافات الأسرية؛ إن المتأمل فى أحوال الناس يجد أن المجتمع يأن ويشتكى من كثرة عدد حالات الفراق والطلاق والذى يذهب إلى دور محكمة الأسرة يعتصر قلبه آسى على ما وصلت إليه أحوالنا وإذا سألت عن السبب فمعلوم أنه يكمن فى مخالفة الناس لهدى سيدنا رسول الله ﷺ!!

– لقد أمر ربنا تبارك وتعالى بحسن العشرة بين الأزواج قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَیَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِیهِ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰا﴾(النساء: ١٩)، وقال ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» رواه الترمذى.
وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» رواه البخارى.

ووصفت حسن عشرته لأهله ﷺ فقالت: «كان رسول الله ﷺ ألينَ الناس وأكرم الناس، كان رجلًا من رجالكم إلا أنه كان ضحَّاكًا بسَّامًا، كان بشرًا من البشر يَفْلِي ثوبه، ويحلب شاتَهُ، ويخدم نفسه، كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، وكان يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم» رواه أحمد.

– الإحسان إلى المرأة؛ لقد أوصى سيدنا رسول الله ﷺ بالإحسان إلى النساء؛ حيث قال: «واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خُلقت من ضلعٍ، وإن أعوجَ شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبتَ تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجَ، فاستوصوا بالنساء خيرًا»، رواه الترمذى.

– أهمية التراحم بين الزوجين؛ إن التواصل القلبي ينشط أي تواصل آخر، ولقد أعطى الإسلام كل ما هو قلبي فكري واعتقادي الأولوية على غيره من الجوانب الأخرى؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾(الروم: ٢١)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبى ﷺ قال: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» رواه مسلم.

فعندما يكون الارتباط القلبي قوياً ومؤسساً على وشيجة الإيمان والأخلاق، فإنه يفتح القلوب ويعين على تقبل أى نقص يوجد في الجوانب الأخرى.

– إن التواصل المستمر بين الزوجين يتخذ عدة أشكال تواصلية، كالحوار والتشاور والتفاهم والإقناع والتوافق والاتفاق والتعاون والتوجيه والمساعدة، لذلك فإن الحوار بين الزوجين عامل أساسى لعلاقات حميمة بعيدة عن التفرق والتقاطع، وكذلك فإنه يُساعد على نشأة الأبناء نشأة سوية صالحة، وله قيمة حضارية للمجتمع بأكمله، لأنه يجعل من الأسرة كالشجرة الصالحة التي لا تثمر إلا ثماراً صالحة طيبة.

– وفي حالة الشقاق وهي المرحلة الأخطر من الخلاف بين الزوجين، مع التأكيد على ضرورة عدم نشر النزاعات خارج حدود البيت قدر الإمكان، فإذا وصل الأمر إلى حد لا يمكن معه كتمان الخلافات وجب على الزوجين اللجوء إلى تحكيم حكمين من كلا الطرفين لوضع نهاية للخلافات يخرج معها الجميع بالصلح والصفاء عملاً بما أرشدنا إليه القرآن الكريم من أهمية التواصل والحوار؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾(النساء:٣٥)،

– ويجب أن يلتزم كل طرف بمعانى الإخلاص والصدق فى طرح المشكلة، وليكن هدفه هو الوصول إلى حل لا إلى توسيع دائرة الخلافات، والإنتصار لرأيه ونفسه حتى لو كان ذلك من خلال تصدير صورة مشوة عن الطرف الآخر.

فليتق كل طرف ربه جل وعلا فيما يقول، وليغلب الإيجابيات لدى الطرف الآخر عملاً بقوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾(البقرة: ١٨٧)،

وقال تعالى: ﴿وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾(النساء: ٢١)،
– والعجب عندما يمعن البعض فى كشف ما ستره الله عز وجل من أسرار البيوت، فى محاولة للإنتقام للذات ضارباً بالعشرة عرض الحائط.

– ويُعد عدم التعامل بنضج بين الأزواج من أخطر أسباب تضخيم المشاكل، وقد يجعلها تصل إلى طريق مسدود، فقد يتسرع البعض فى إتخاذ قرار الطلاق بيد أنه لو تروى قليلاً ربما حُلت المشكلة. لذلك شدد ديننا الحنيف على أهمية استقرار الأسرة والبعد بها عن كل ما من شأنه أن يؤدى تفككها وإنهيارها بل وحذر من طلب الطلاق بغير وجه حق؛ فعن ثوبان مولى سيدنا رسول الله ﷺ، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «أيُّما امرأةٍ سألَتْ زوجَها طلاقَها في غيرِ ما بَأْسٍ؛ حرام عليها رائِحَةُ الجنةِ» رواه أبو دواد.

لذلك يجب علينا جميعاً العمل على تطوير العلاقات الأسرية وتعزيزها وذلك ببناء الثقة والاحترام المتبادل، وتقدير الرأي الآخر والاستماع لمشاكل الآخرين والتحدث بشكل مفتوح وصريح

فيا عباد الله: اتَّقِوا الله في عشرتكم لأهليكم، وتوبوا إلى ربكم واستغفروه، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة.

كتبه راجى عفو ربه
أيمن حمدى الحداد
الجمعة ١٨ ربيع الآخر ١٤٤٧ هجرياً
الموافق ١٠ أكتوبر ٢٠٢٥ ميلادياً