د. إسلام عوض يكتب: من رباط الخيل إلى الذكاء الاصطناعي
6 أكتوبر، 2025
أخبار العالم الإسلامى

بقلم الدكتور : إسلام عوض مدير تحرير بجريدة الأهرام المصرية
إن ذكرى نصر أكتوبر المجيد ليست مجرد استدعاء لملحمة عسكرية عابرة، بل هي استحضار لروح أمة اختارت الإيمان سبيلًا، والإعداد طريقًا، لتحقيق الكرامة واسترداد الحق؛ فقد أثبت هذا النصر الخالد أن مصر، بتاريخها وعمقها الحضاري، محفوظة بعناية إلهية، وأنها متى اعتمدت على الله وأخذت بأسباب القوة، كانت قادرة على صنع المستحيل.
*الوصية الإلهية بـ “القوة الشاملة”*
إن الفهم العميق لسر النصر يكمن في الامتثال للأمر الإلهي الجامع في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60].
لقد جاءت كلمة “قوة” في الآية نكرة ومطلقة، وقُرنت بعبارة “ما استطعتم” التي تفتح الباب واسعًا أمام تأويلات متعددة للقوة التي لا تقتصر على السلاح وحده؛ فقوله تعالى: “ما استطعتم” تعني بلوغ أقصى الجهد البشري في الإعداد، وتوسيع دائرة القوة لتشمل كل مجال حيوي يضمن للأمة أمنها وأمانها واستقرارها وهيمنتها وريادتها.
إن هذه الآية ترسم خارطة طريق للتمكين، تشمل ثمانية أبعاد للقوة يجب على الأمة المصرية أن تستثمر فيها:
1. القوة العسكرية التقليدية :
وهي القوة الظاهرة المتمثلة في تحديث الجيوش وتطويرها، وهو ما تمثل في عبارة “وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ” التي تعني في عصرنا الراهن أحدث أنواع العتاد البري والجوي والبحري، لتبقى مصر درعًا قويًا حامية لها ولأمتها وحصنًا لأمنها القومي.
2. قوة العلم والصناعة:
لا يمكن إرهاب العدو اليوم بسلاح مستورد، بل بسلاح مُصنَّع محليًا؛ حتى يكون رادعًا ومؤثرًا، وهذا يتطلب تحويل الجامعات ومراكز البحث العلمي إلى مصانع للابتكار، وتوطين الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة؛ فقوة الدول تُقاس اليوم بمُخرجاتها المعرفية والإنتاجية.
3. قوة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي :
القوة في هذا العصر هي قوة البيانات والمعلومات؛ لذا يجب أن يكون الإعداد شاملًا للهيمنة على الفضاء السيبراني، وتسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي في كافة القطاعات العسكرية والاقتصادية والخدمية، لضمان الكفاءة والسبق.
4. قوة الاقتصاد والاستقرار:
القوة ليست في الصواريخ وحدها، بل الاقتصاد والتنمية والمشروعات العملاقة، وقدرة الدولة على توفير حياة كريمة لمواطنيها؛ فإن بناء اقتصاد قوي ومتنوع ومستدام هو خط الدفاع الأول عن استقلال القرار الوطني.
5. قوة التقوى ومكارم الأخلاق:
إن جوهر القوة الحقيقية ينبع من الداخل، قوة التقوى ومكارم الأخلاق تعني محاربة الفساد، والعدل بين الناس، والصدق في التعامل، والإتقان في العمل، وهذه هي الدعائم التي تجعل البنيان متماسكًا لا يتأثر بالرياح، وتُحقِّق البركة الإلهية.
6. قوة الوحدة الوطنية والولاء السياسي:
إن الانقسام أشد خطرًا على الأمة من أي عدو خارجي؛ فالنصر يتطلب الولاء للقيادة السياسية التي تسهر على مصالح الأمة، والوحدة الوطنية التي تجعل المصريين جميعًا صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص.
7. قوة الانتماء والتضحية:
الوطن هو الأرض التي أمرنا الله بالدفاع والذود عنها. إن الانتماء الحقيقي يتجسد في الاستعداد للتضحية والجهاد في سبيله، وهو ما أكدته الآية الكريمة: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [التوبة: 20]. هذه الآية ترفع من شأن من يدافع عن وطنه إلى أسمى الدرجات، فالجهاد بالمال والنفس هو قمة البذل والعطاء.
8. أكتوبر كنموذج إعداد ودروس العزة:
لقد كان نصر أكتوبر تجسيدًا لهذا المفهوم الشامل للقوة؛ فلم يكن نصرًا عسكريًا خالصًا، بل كان نصرًا لإرادة الشعب، ونصرًا لتخطيط العقل المصري، ونصرًا للولاء الذي التف حول القيادة، والانتماء الذي دفع الجنود والمدنيين إلى بذل أغلى ما يملكون.
إن الوصية الإلهية بـ “الإعداد” هي وصية للمستقبل، تُلزم الأجيال القادمة أن تدرك أن جهاد اليوم هو جهاد علم وصناعة وتكنولوجيا وأخلاق، وأن إرهاب العدو اليوم لا يتحقق بالخوف من قوتنا العسكرية فحسب، بل بالاحترام العميق لقدرتنا على البناء والتنمية والريادة.
فلنجعل من نصر أكتوبر عهدًا متجددًا على بناء قوة مصر الشاملة، مدركين أن مصدر عزتنا الحقيقي هو التزامنا بديننا وقيمنا، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:“نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ولو ابتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا الله”.
تهنئة لقيادة ولشعب مصر ولقواتنا المسلحة بذكرى انتصار أكتوبر، وتحية لأرواح شهدائنا الأبرار