أتى على الهنود الحمر مُحْتَل واحد فقط فأباد خضراءهم ولم يبق منهم أثراً، أما مصر فلقد احتلها أكثر من أربعين غاز ومُحْتَل، والعجيب أن مصر بقيت وزال أعداؤها من خريطة العالم تماماً كالهكسوس والتتار والمغول.
والسر في بقاء أم الدنيا ونصر 6 أكتوبر، يرجع إلى أربعة عوامل رئيسية:
الأول: حب الوطن، والذي تجذر في نفوس المصريين رجالا ونساء عسكريين ومدنيين، وبذل المال والنفس في سبيل الحفاظ على ترابه، حتى صار عندهم مثلاً (الأرض عِرض).
الثاني: الوحدة والاجتماع والذي فرضه على المصريين طبيعة نهر النيل والذي يحتاج إلى تكاتف وتعاون؛ للإفادة من خيراته في الزراعة والفلاحة والصيد، ولتفادي خطر الفيضانات ببناء السدود والقناطر.
ولقد انتصرنا في حرب 6 أكتوبر بسلاح من مخلفات الحرب العالمية الثانية بسبب الوحدة والاجتماع فالمصريون كلهم بقادتهم وجيشهم وشرطتهم ورجالهم ونسائهم وأطفالهم وأزهرهم وكنيستهم كانوا جميعاً على قلب رجل واحد وعلى هدف واحد وهو طرد العدو المحتل من أرض سيناء فتحقق النصر بهذه الوحدة.
الثالث: الأخلاق، وصدق القائل: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
اليوم في (2025م) مصر بها أكثر من عشرة ملايين لاجئ، في الحين أن بعض الدول تمنع اللاجئين من مجرد العبور على أراضيها، ولقد استوعبت مصر هذه الأعداد بلا مخيمات لا بالمال وإنما بأخلاق المصريين وشهامتهم والتي ورثوها عن أجدادهم، حتى أن أول متن أخلاقي في التاريخ كان محفوراً على الجداريات المصرية القديمة، وهو (قوانين ماعت الأخلاقية)، هذه الأخلاق التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم لإحيائها وتتميمها وتجديدها، وقال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
الرابع: العلم، فلا قيام لأمة ولا نهضة لدولة إلا بالعلم؛ فبالعلم ترقى الأمم وتزدهر، وبالجهل تندحر الأمم وتندثر، ولقد برع المصريون القدماء في شتى العلوم ومختلف الفنون: في علم الطب والفلك والهندسة والزراعة والصناعة والرياضة والحساب، والحيوان والطير والبحار والأنهار والمعادن والعلوم العسكرية، والعلوم الدينية الأخلاقية والعلوم الإنسانية والأدبية، وعلوم الجغرافيا والتاريخ، ويكفي في ذلك المتاحف الأوربية والعالمية التي امتلأت بالتراث المصري القديم والحضارة المصرية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وقد استقلت مصر وتاريخها دون غيرها من البلاد بعِلم وحيد وفريد اسمه عِلم المصريات، ولا تزال الجينات العبقرية للمصريين تبهر العالم بإنتاجها العلمي وثروتها الفكرية.
الخامس: التاريخ، الذي هو المرآة التي يُستشرف بها المستقبل، ومن لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل، وأعداء مصر لما عجزوا عن مواجهة مصر وشعبها، وتفكيك وحدتها واحتلالها وسرقة ثرواتها لجأوا إلى طمس تاريخها العريق وتزويره؛ لأنه إذا تم السيطرة على التاريخ تمت السيطرة على الجغرافيا؛ فالتاريخ أولاً والجغرافيا ثانياً، وإذا تمت السيطرة على العقول تم احتلال الأرض والترحيب بالمحتل والتصفيق له.
وأخيراً ونحن نحتفل بانتصارات السادس من أكتوبر، ينبغي أن نغرس في نفوس الصغار والأطفال تاريخ هذا الانتصار العظيم وما فيه من إنجازات ومعجزات وتضحيات، وأن نتوارثه جيلا بعد جيل، وإلا فهناك عدونا المتربص بنا وبأجيالنا بآلته الإعلامية العالمية؛ لطمس معالم هذا النصر، وتحويله إلى هزيمة نفسية يصعب معها الحفاظ على الوطن أو صيانة العِرض.