أين شكرك؟
28 سبتمبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : صالح علي صالح الفقي
الموجه العام بوعظ الأزهر الشريف – ومشرف لجان فتوى الأزهر بمنطقة وعظ كفر الشيخ سابقا
أين شكرك أيها الإنسان على ما أوليت من نعم لا تحصى؟
أين حمدك لواهب الحياة، ومن بسط لك الصحة والرزق والأمن؟
إن في كل نفس يتردد في صدرك، وفي كل قطرة ماء تبل بها ريقك، وفي كل خطوة تمشيها على قدميك، سؤالا خفيا يتردد: هل ستعترف بالمنة أم ستجحدها؟
قصّ النبي صلى الله عليه وسلم قصة الأعمى والأقرع والأبرص، فجعلها مرآة صافية تعكس صور القلوب. ثلاثة ابتُلوا، فغُيّرت هيئاتهم وأفيضت عليهم الأموال. لكن الامتحان لم يكن في صورهم ولا في أموالهم، بل في وفاء قلوبهم. تنكر اثنان لفضل الله، وتكبروا على الفقير الذي كان نسخة من ماضيهم، فسقطت عنهم النعمة كما تسقط أوراق الخريف اليابسة. أما الثالث، الأعمى، فقد أبصر بنور الشكر قبل نور البصر، فبقيت عليه النعمة وازدادت، لأن الشكر حياة للبركة كما أن الغفلة موت لها.
ويحضر في المعنى رجل آخر، قعيد ضرير عليل، لم يبق فيه من الصحة إلا أنفاس متقطعة، ومع ذلك كان يلهج قائلا: الحمد لله. فلما عوتب في ذلك قال: “الحمد لله الذي جعل لي قلبا خاشعا، ولسانا شاكرا، وجسدا على البلاء صابرا”. هكذا يتجلى سرّ الشكر: أن ترى في قلبك ما يغنيك، ولو حُرمت من دنياك.
فهل في قلبك خشوع الحامدين، وعلى لسانك نغمة الشاكرين، وفي جوارحك طاعة المستسلمين؟
إن النعم تمضي سريعة كالسحاب، ولا يبقى منها إلا ما حفظه الشكر أو أضاعه الجحود. فالشكر حياة النعمة، والجحود موتها.