بحث في ( حماية الوطن وصور من شجاعة النبي ) للشيخ رضا الصعيدى
ما معنى الوطن ؟ وما حقه علينا ؟ ومن أعظم الناس أجراً ؟ وما خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ ؟ وكيف كانت شجاعة النبي في جماية الوطن والدفاع عنه ؟ مع بيان صور من جهاده ؟ وما هي كرامات حراسة الوطن وحماية ممتلكاته ؟ وما الواجب علينا ؟
معنى الوطن ، وأنه الأصل والجذور والفطره :
الوطن هو : الأرض التي يعيش عليها ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بأهلها وأرضها؛ لأنها تحمل ذكرياته، وتذكره بماضيه ويرى فيها مستقبله وأمجاده، فترى حب الوطن بالنسبة للإنسان كحبه لولده ووالده وقومه وعشيرته وزوجته وأقاربه ومعارفه، فهو حب مغروس في جبلة الإنسان، متأصل في فطرته وكيانه.
ولقد وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم البشرية عامة وبخاصة أهل الإيمان أن يجيدوا للوطن الانتماء ،وأن يحسنوا له الولاء, وان يخلصوا له الوفاء وأن يغاروا علي أرضهم، داعيا إياهم أن يترجموا حبهم للوطن الذي يظلهم ويحتضنهم، إلي عمل وجد و دفاع عنه وحفاظ عليه.
حق الوطن في الدفاع عنه :
إن وطننا اليوم تحيط بها المؤامرات والكيد من بعض الجوانب ؛ يفرض علينا أن نكون عيونا ساهرة لحماية أمنه وأن نتضامن في درء أي خطر يهدد استقراره وأن نتكاتف جميعا علي ردع كل من تسول له نفسه أن يجترئ عليه، وأن نتضامن في التصدي لاى دعوات تحث على الهدم و إثارة الفوضى والفتن والشغب وأن نستمع لهذا النداء الخالد من ربنا عز وجل إذ يقول (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )آل عمران103).
ويظهر الدفاع عنه في احترام أنظمته وقوانينه, وطاعة ولى الأمر؛ فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي” أخرجه البخاري).
ويظهر الدفاع عنه أيضا في عدم ترويج، بل والتصدي للشائعات والأراجيف والأباطيل التي يقصد بها ملء القلوب من الفتن والمصائب، وشحْن القلوب بالأحقاد والبغضاء على المجتمع والتشكيك في الانجازات، والبناء والتعمير ،غاية هذا أن تملأ قلوب الناس حقداً على وطنها، وحقداً على أمنها؛ وحقداً على ولاتها ليرى أصحاب هذه الشائعات والافتراءات في المجتمع تفككاً، وتناحرا.
صيانة الوطن من الفتن والقلاقل:
فقد أسس الرسول صلي عليه وسلم للوطن بصيانته من الفتن والقلاقل والمظاهرات عملاً بقول المولي عزوجل:”وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”(الأنفال/25).
كما أمر بالتصدي لها فقال تعالي :” وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “(الأنفال /39).
كما حذر من كفر هذه النعمة وجحودها والتفريط فيها فقال تعالي :”وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ”(النحل/112).وورد عن أنس رضي الله عنه “الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.( السيوطي)….وكما شدد الإسلام علي تجنب الفتنة لأن خطرها شديد علي استقرار الأمن في البلاد وكفي أن قال المولي عز وجل فيها “وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ”(البقرة/191). وقال تعالي:”وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ”(البقرة/217).
تعالوا لنعيش سويا مع أعظم الناس أجرا :
عن أرطأة بن المنذر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لجلسائه: أي الناس أعظم أجرا؟ فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة ويقولون: فلان وفلان. فقال: ألا أخبركم بأعظم الناس أجرا ممن ذكرتم؟ قالوا: بلى. قال: رجل آخذ بلجام فرسه يكلأ ويحرس المسلمين، لا يدري أسبع يفترسه؟ أم هامة تلدغه؟ أم عدو يغشاه؟ فهذا أعظم أجرا ممن ذكرتم. والعين الساهرة على حقوق الناس، الحارسة لحدود الوطن، القائمة على طاعة الله حرمها الله على النار.
ومن أراد الأجر الكبير والثواب الجزيل فليهنأ بما أعده الله تعالى له وهو يذود عن حمى وطنه في بره وبحره وسمائه، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن حماية الوطن تكون بالنفس ، وتكون أيضاً ببذل المال وصنع المكاسب وتحقيق الإنجازات،
خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ :
عن أَبي هريرة – t -عن رسول الله – r – ، أنَّه قَالَ : (( مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لهم رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ في سَبيلِ الله، يَطيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزعَةً ، طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي القَتْلَ ، أَوْ المَوْتَ مَظَانَّه ، أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيمَةٍ في رَأسِ شَعَفَةٍ مِنْ هذِهِ الشَّعَفِ ، أَوْ بَطنِ وَادٍ مِنْ هذِهِ الأَوْدِيَةِ ، يُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وَيُؤتِي الزَّكَاةَ ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يأتِيَهُ اليَقِينُ ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ فِي خَيْرٍ )) (صحيح سنن ابن ماجة) .
كان بين الناس رجلا , وكان بين الرجال بطلا , وكان بين الأبطال مثلا ,ولقد تحث عن شجاعته القاصي والداني ، والمتدبر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجد أن جميع الغزوات التي شارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم كانت دفاعا عن الوطن وردا لعدوان أعدائه وإبطالا لحيلهم ومكرهم، وحفظا للوطن ودفاعا عنه وعن استقراره وأمنه وأمانه مع الالتزام بالتوجيه القرآني في قول الله جل وعلا (قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )البقرة190) ..
زنه بعشرة بمائة بالف ثم بأمة :
روى ابن إسحاق في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض، معهما طست من ذهب مملوء ثلجا، فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه، فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا أنقياه رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته. فوزنني بعشرة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته. فوزنني بمائة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بألف، فوزنتهم، فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم. اهـ.
قال ابن كثير- رحمه الله- في البداية والنهاية: إسناد جيد قوي.
ولقد ظهرت قوته يوم الخندق ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، قال وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول ثم قال: بسم الله، فضرب ضربة، فكسر ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيتُ مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد ) .
قصة مصارعة ركانه:
روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن يزيد بن ركانة صارع النبي – صلى الله عليه وسلم – فصرعه النبي – صلى الله عليه وسلم – ثلاث مرات ، كل مرة على مائة من الغنم ، فلما كان في الثالثة ، قال : يا محمد ، ما وضع ظهري إلى الأرض أحد قبلك ، وما كان أحد أبغض إلي منك ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . فقام عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورد عليه غنمه .
ولا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل أحدا بالسيف، وإنما قتل أبي بن خلف بحربة رماه بها، وقد قتله يوم أحد بعد أن أقبل أبي يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: لا نجوت إن نجا ـ قال عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه: وأما أبي بن خلف فقال: والله لأقتلن محمداً، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بل أنا أقتله ـ إن شاء الله ـ قال: فانطلق رجل ممن سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن خلف فقيل له: لما قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم ما قلت قال: بل أنا أقتله ـ إن شاء الله ـ فأفزعه ذك، وقال: أنشدك بالله أسمعته يقول ذلك؟ قال: نعم، فوقعت في نفسه، لأنهم لم يسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قولاً إلا كان حقاً، فلما كان يوم أحد خرج أبي بن خلف مع المشركين فجعل يلتمس غفلة النبي صلى الله عليه وسلم ليحمل عليه، فيحول رجل من المسلمين بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: خلوا عنه فأخذ الحربة فجزله بها ـ يقول رماه بها ـ فيقع في ترقوته تحت تسبغة البيضة وفوق الدرع فلم يخرج منه كبير دم واحتقن الدم في جوفه فجعل يخور كما يخور الثور، فأقبل أصحابه حتى احتملوه وهو يخور وقالوا: ما هذا؟ فوالله ما بك إلا خدش، فقال: والله لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني، أليس قد قال أنا أقتله إن شاء الله؟ والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم، قال: فما لبث إلا يوماً أو نحو ذلك حتى مات إلى النار… اهـ.
شجاعة النبي يوم حنين :
لما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك خرج بجيشه حتى وصل إلى وادي حنين، الذي سبقهم إليه مالك بن عوف وجيشه، وأعدوا فيه أكمنة للمسلمين، وباغتوهم وأمطروهم بالسهام والنبل من جميع الجهات، فاضطربت صفوف المسلمين, وماج بعضهم في بعض، ونتيجة لهول المفاجأة انهزم كثير منهم ولاذوا بالفرار، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ونفر قليل في الميدان يتصدون لهجمات المشركين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب). فعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رجلاً قال له: (يا أبا عمارة: أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شُبَّان أصحابِه وأَخِفَّاؤهم حُسَّراً ليس عليهم سلاح، أو كثير سلاح فأتَوا قوما رُماةً، لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن وبني نصر، فرشقوهم رشقاً ما يكادون يُخْطِئون، فأقبَلوا هنالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بَغلَتِه البيضاء، وابنُ عمِّه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقودُ به، فنزَل واستَنصَر، ثم قال: أنا النبيُّ لا كذِب، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلب، ثم صفَّ أصحابه) رواه البخاري.
ويصف العباس رضي الله الموقف يوم غزوة حنين فيقول: (شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمتُ أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامى. فلما التقى المسلمون والكفار ولّىَ المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَلَ (نحو) الكفار.
والصور من شجاعة النبي ودفاعه عن الحق والوطن كثيرة ، من ذلك :
غزوة بني لحيان بعدما غدروا بعشرة من الصحابة بالرجيع واستشهدوا العشرة على أيديهم .
غزوة الغابة بعدما غار جماعة من أعراب نجد من بني فزارة على ابل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقتلوا حارثها واخذوا امرأته مع الإبل وفروا نحو نجد .
غزوة مؤتة فكانت ثأرا لقتل الصحابي الجليل الحارث بن عمير الازدى الرسول الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظيم بصري فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فضرب عنقه، علما بان قتل السفراء والرسل يعد إعلانا للحرب .
فتح مكة بعدما نقضت قريش عهدها مع النبي وأعانت حلفاءها من بني بكر على قتل خزاعة حلفاء الرسول غدرا عند ماء بالقرب من مكة يسمى (الوتير )فاستغاث عمرو بن سالم الخزاعي بالنبي صلى الله عليه وسلم فكانت الإجابة ” نصرت يا عمرو بن سالم” وما وجد النبي إلا خير مغيث وناصرا بعد ما غارت خيول العدو .
لم تراعوا لم تراعوا:
وها هو الحبيب صلى الله عليه وسلم يحرس وطنه وأهله وأحبابه ، وكان أشجع الناس، فقد فرت منه جيوش الأعداء وقادة الكفر في كثير من المواجهات الحاسمة، بل كان يتصدر صلى الله عليه وسلم المواقف والمصاعب بقلب ثابت وإيمان راسخ، ويؤكد أنس بن مالك رضي الله عنه ذلك بما حصل لأهل المدينة يوماً، حينما فزعوا من صوت عالٍ، فأراد الناس أن يعرفوا سبب الصوت، وبينما هم كذلك إذ أقبل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس، رافعاً سيفه قائلاً لهم: ( لم تراعوا لم تراعوا) ، أي (لا تخافوا ولا تفزعوا) رواه البخاري و مسلم .
يوم الخندق :
في العام الخامس من الهجرة النبوية الشريفة جاءت الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين عزموا أمرهم وجهزوا حالهم وأعدوا عدتهم واستعانوا بالقبائل العربية والقبائل اليهودية، حتى بلغ عددهم عشرة آلاف مقاتل، للهجوم على المدينة المنورة والقضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آمن بدعوته..
حين علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتجهيزات التي قامت بها الأحزاب للهجوم على المدينة، جمع الرسول أصحابه، وأخبرهم الخبر، وقال لهم: أشيروا علي أيها الناس.
فاشير عليه بحفر الخندق ..
وحدد الرسول صلى الله عليه وسلم مكان الخندق، وهو في مدخل المدينة بين الجبلين في مسافة طولها ٣ كيلو متر والعَرض من ٥ الى٧ متر، والعمق حوالي ٣ متر.
ثم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال لحفر الخندق، وكان عددهم حوالي ١٥٠٠ رجل. فكان نصيب كل فرد في الحفر حوالي ٢ ونصف متر.
وتم تقسيم الصحابة إلى مجموعات كل مجموعة ١٠ أفراد، يقومون بحفر المسافة المطلوبة منهم ويتولون حمايتها، حتى يحسنوا العمل فيها.
وقد شارك الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحفر مع أصحابه، فكان يحمل معهم التراب، ويشارك في كسر الصخور الصعبة، وينشد معهم الأناشيد، ويبشر أصحابه بالنصر، حتى يرفع معنوياتهم، ويستحث همتهم.
هذا عمل الرجال.. أما النساء فكانوا يحرسون المدينة من الناحية الأخرى التي كان يسكن فيها اليهود، رغم أن هناك عهد بينهم وبين الرسول إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخشى أن ينقضوا عهدهم، وهو ما حصل بالفعل، وقد تسلل أحدهم داخل المدينة فضربته السيدة صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قتلته. ثم رمت به أسفل الحصن، وكان اليهود ينتظرون أن يتسللوا مثله، فخافوا وفزعوا حين وجدوه مقتولا.. حتى قالوا: قد علمنا أن محمدا لم يكن ليترك أهله خُلواً ليس معهم أحد..
وبهذا يتبين أن كل فرد في المدينة كان يقوم بدوره في الدفاع عنها. كل بما يستطيع.
كرامات حراسة الوطن وحماية ممتلكاته :
عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ:
وقد جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) العين الساهرة على حراسة الدين والوطن، والأرض والعرض من العيون التي لا تمسها النار أبدًا، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(رواه الترمذي).
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال النبي ﷺ: عينان لا تمسهما النار أبدا عين باتت تكلأ في سبيل الله، وعين بكت خشية من الله رواه أبو يعلى ورواته ثقات، والطبراني في الأوسط إلا أنه قال عينان لا تريان النار.
رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها:
الرباط هو: الإقامة في الثغور، وهي: الأماكن التي يخاف على أهلها أعداء الإسلام، والمرابط هو: المقيم فيها المعد نفسه للجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينه وإخوانه المسلمين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً أجر الوقوف في ساحة المعركة: (موقف ساعة في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود) وقال عليه الصلاة والسلام: (مُقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل من عبادة ستين سنة) رواه الطبراني وهو حديث صحيح.
وقد ورد في فضل المرابطة والحراسة في سبيل الله أحاديث كثيرة إليك أيها الأخ المسلم الراغب في الرباط في سبيل الله طرفا منها نقلا من كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري رحمه الله: عن سهل بن سعد – رضي الله عنهما – أن رسول الله ﷺ قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم.
وعن عثمان – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
أما الرمي في سبيل الله فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أيما مسلم رمى بسهمٍ في سبيل الله فبلغ مخطئاً أو مصيباً فله من الأجر كرقبة أعتقها من ولد إسماعيل) هذه الرمية الواحدة؛ سهم.. رصاصة.. قذيفة.. صاروخ.
وليلته أفضل من ليل القدر :
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر حارس حرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله _ رواه الحاكم في المستدرك – (2/ 90) 2424،وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه و قد أوقفه وكيع بن الجراح عن ثور وفي يحيى بن سعيد قدوة.
رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ويبعث شهيدا وان لم يقتل:
عن سلمان – رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن ماتت فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان رواه مسلم واللفظ له والترمذي والنسائي والطبراني وزاد وبعث يوم القيامة شهيدا.
ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر :
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر- رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وابن حبان في صحيحه وزاد في آخره قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: المجاهد من جاهد نفسه لله عز وجل وهذه الزيادة في بعض نسخ الترمذي.
وعن العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة رواه الطبراني في الكبير بإسنادين رواة أحدهما ثقات.
أمان من الفزع الأكبر وزواج بالحور العين :
وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – عن رسول الله ﷺ قال: رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطا في سبيل الله أمن الفزع الأكبر وغدي عليه وريح برزقه من الجنة ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله عز وجل رواه الطبراني ورواته ثقات.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله ﷺ قال: من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه الصالح الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر رواه ابن ماجه بإسناد صحيح والطبراني في الأوسط أطول منه وقال فيه: والمرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة وغدي عليه وريح برزقه ويزوج سبعين حوراء وقيل له قف اشفع إلى أن يفرغ من الحساب وإسناده متقارب.
الواجب علينا :
معرفة مشروعية الجهاد في سبيل الله للدفاع عن الدين والوطن:
إن الولاء للإسلام، والانتماء للوطن الإسلامي، يدعونا إلى الدفاع، والجهاد في سبيل الله بإخلاص لله، ضد أي عدوان خارجي على بلادنا، وعلى كل مسلم أن يستحضر نية الجهاد، والرباط في سبيل الله، والتطلع إلى الشهادة، والشوق إلى كرامات الشهداء، قال تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ ﴿النساء: 84﴾… ففي الحديث الصحيح (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
فقد أسس الرسول صلي عليه وسلم للوطن بصيانته من الفتن والقلاقل والمظاهرات عملاً بقول المولي عزوجل:”وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”(الأنفال/25).
معرفة وجوب حفظ الكليات الخمسه :
إن الله تعالى لما ارسل رسوله صلى الله عليه وسلم – أرسله للحفاظ على الكليات الخمس :
أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يعدوا للكفار ما استطاعوا من القوة، وأن يأخذوا حذرهم
وقد أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يعدوا للكفار ما استطاعوا من القوة، وأن يأخذوا حذرهم، كما في قوله عز وجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] .