حين يصبح المنبر أمانة… لا مكان للمتشددين في بيوت الله


بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة

 

منذ أكثر من عقدين ونحن نحذر وننبه إلى خطورة ترك المنابر نهباً لأصحاب الفكر المتشدد والمتطرف، الذين يقتحمون الزوايا والمساجد الصغيرة يوم الجمعة بحجة سد العجز في أعداد الأئمة وخطباء المكافأة. هؤلاء الخطباء الدخلاء حولوا المنابر إلى ساحات لنشر الفكر المغلوط وبث السموم الفكرية بين الناس، فاختلط الحق بالباطل، وأصبح المصلون يسمعون ما يثير الفرقة أكثر مما يجمع القلوب.

ولذلك كنا ولا نزال نؤكد أن غلق الزوايا الصغيرة يوم الجمعة والاكتفاء بالمسجد الجامع هو الحل الأمثل، وهو الرأي الراجح عند الفقهاء، وعلى رأسهم الإمام الشافعي الذي قال: “يصلي في الجمعة بالمسجد الجامع ولو يصلي المصلي على ظهر أخيه من شدة الزحام”. فالجمعة عبادة جامعة، لا يجوز تفتيتها في زوايا متفرقة، ولا تركها مرتعاً للجهلة والمتشددين.

وقد أدركت وزارة الأوقاف هذه الحقيقة بوعي وإدراك عميقين، فبدأت منذ سنوات حملة منظمة لحماية المنابر من خفافيش الظلام الذين يتسللون إليها من أبواب الزوايا الصغيرة، مستغلين ضعف الرقابة في الماضي. فوضعت الوزارة خطة صارمة لحصر الزوايا وإغلاقها يوم الجمعة، وألزمت الجميع بأن تكون الخطبة موحدة، لا مجال فيها للاجتهادات الفردية أو الخطابات المتشددة. كما كثفت الوزارة من تعيين الأئمة المعتمدين وتدريبهم وتأهيلهم ليكونوا على قدر هذه المسؤولية.

وفي هذا السياق يبرز الدور الريادي لفضيلة الدكتور خالد صلاح الدين، وكيل وزارة الأوقاف ومدير مديرية أوقاف القاهرة، الذي يقود معركة حقيقية ضد دعاة الفكر المتشدد، حيث يعمل ليل نهار على متابعة غلق الزوايا الصغيرة، وضبط المنابر، والتأكد من أن من يعتليها هم فقط الأئمة الموثوقون، حاملو رسالة الوسطية والاعتدال. وقد أصبحت القاهرة نموذجاً يُحتذى به في ضبط الخطاب الديني وحماية المنابر من الدخلاء.

ولم يقف جهد الدكتور خالد صلاح عند هذا الحد، بل امتد ليشمل تطوير الدعوة الإلكترونية كجناح موازٍ للعمل الدعوي الميداني، حيث أدرك مبكراً أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت منابر عصرية لا تقل خطورة ولا تأثيراً عن المنابر التقليدية. ومن هنا جاءت مبادرات مديرية أوقاف القاهرة لنشر الدعوة الوسطية عبر المنصات الرقمية، بما يقطع الطريق على المتشددين الذين طالما استغلوا الفضاء الإلكتروني لنشر فكرهم المتطرف.

وهكذا نجحت وزارة الأوقاف، بفضل قياداتها الواعية، في خوض حرب شاملة ضد خفافيش الظلام، حرب لا تقتصر على غلق الزوايا أو ضبط المنابر فحسب، بل تتعداها إلى حماية العقول عبر الكلمة الطيبة، والفكر المستنير، والخطاب الديني الرشيد.

إن حماية المنابر من الدخلاء ليست مجرد قرار إداري أو إجراء تنظيمي، بل هي قضية وجود تتعلق بأمن الفكر واستقرار المجتمع. فالمسجد ليس مكاناً للصراع ولا ساحة للجدل، وإنما هو بيت الله الذي يجتمع فيه المسلمون على كلمة سواء. وإن غلق الزوايا الصغيرة يوم الجمعة والاكتفاء بالمسجد الجامع، مع ضبط المنابر وتوحيد الخطبة، يمثل خطوة جادة على طريق تجديد الخطاب الديني وصيانة الوعي الجمعي.

واليوم نحن جميعاً مدعوون للوقوف خلف وزارة الأوقاف ورجالها المخلصين، وعلى رأسهم الدكتور خالد صلاح الدين، في معركتهم النبيلة ضد أصحاب الأفكار المسمومة. فالمعركة ليست معركة وزارة وحدها، وإنما معركة وطن بأسره. فإذا صانّا المنبر، صُنّا العقل، وإذا صُنّا العقل، حفظنا الدين والدنيا معاً. وختام القول: فلنجعل منابرنا منارات للنور والوعي، لا أبواقاً للظلام والتطرف.