الرؤيا الصالحة
17 أغسطس، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى
ظل النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر قبل نزول الوحي لا يرى رؤيا إلا جاءت صحيحة وصادقة مثل فَلَقِ الصبح، وهي بمثابة المقدمة للنبوة والتوطئة لها؛ لأنها جزء منها، قال صلى الله عليه وسلم: “الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة”؛ ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التلاعب بالرؤيا أو الكذب فيها، فقال: “مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ”، أي يصنع عُقدة بين حبتين من الشعير، وهو مستحيل مما يدل على دوام عقابه؛ لأن الوحي إن كان نبوة، فإن الرؤيا الصالحة ولاية وبشارة، قال صلى الله عليه وسلم عن البشرى في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[يونس: 62 – 64]، قال: “هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له”.
وهكذا ينزل وحي الأنبياء في المنام أول الأمر، فإذا هدأت قلوبهم هبط عليهم الوحي في اليقظة، إيذانا بالنبوة، وإرهاصاً بالرسالة، حتى بعد انقطاع الوحي لم يبق من آثار النبوة، إلا الرؤيا الصالحة أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم: “لا نبوة بعدي إلا المبشرات”، قيل: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: “الرؤيا الحسنة أو الصالحة”، وعلى قَدر الصدق في الحديث تصدق الرؤيا، كما في الحديث: “إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا”.
وهذه الرؤيا قبل النبوة سنة الأنبياء جميعاً ومما ورد في ذلك رؤيا نبي الله إبراهيم عليه السلام، قال تعالى : {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات: 101، 102]، ويوسف عليه السلام يحكي رؤيته لأبيه ويقول: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}[يوسف: 4]، حتى تحققت رؤياه في نهاية السورة: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا…}[يوسف: 100]
وفي أنواع المنامات يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الرؤيا والحُلم وحديث النفس، قال صلى الله عليه وسلم: “الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ”، وحديث النَّفْس في المنام يُسمَّى أضغاث أحلام، وهو ما يدور في النَفْس من أعمال أو أحاديث أو أُمنيات أو مخاوف في اليقظة، وهي أحلام لا تأويل لها، ولا يجب الالتفات إليها.
أما ما يُسَنُّ فعله عند المنامات فيقول قتادة رضي الله عنه: كنتُ لأرى الرؤيا فَتُمْرِضُنِي، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ”.