حروب الوهابية ضد مسلمي الجزيرة العربية
16 أغسطس، 2025
الوهابية ومنهجهم الهدام

اعداد الأستاذ : سيد حسن
المقال العاشر من سلسلة ( الوهابية فكراً وممارسة )
كتاب للدكتور محمد عوض الخطيب
تحرك النجديون الذين تبنوا الأفكار الوهابية لنشرها في طول الجزيرة العربية وعرضها فشنوا الغارات والحروب وقاموا بعمليات السلب والنهب والسبي وانتهاك الأعراض ، وكل ذلك في مناطق إسلامية صافية لا يشارك المسلمين فيها مشارك إلى أن استطاعوا السيطرة أخيراً على قلب الجزيرة العربية .
لقد قامت حركتهم على أساس العنف الدموي وتميزت بالشراسة والوحشية ، فلم يكونوا يخضعون لقانون أخلاقي أو ديني ، فمن قتل النساء والأطفال إلى قطع رؤوس الأسرى إلى الغدر ونقض العهود والمواثيق ، إلى التقلب في المواقف وموالاة الأمم الغالية.
وهكذا شهدت الجزيرة العربية ثلاث جولات من الحروب على أيدي الوهابيين ومرت حركتهم بثلاثة أدوار ، فأقاموا دولتهم الأولى ابتداء من أواسط القرن الثامن عشر حتى عشرينات القرن التاسع عشر حيث ضربهم الجيش المصري وقضى على خطرهم إلى حين ولكن تآمر القوى العظمى على هذا الجيش الذي دخل الحجاز كما دخل بلاد الشام وهدّد عاصمة السلطنة العثمانية ، دفعه إلى الانكفاء ، فانتعشت الوهابية من جديد انتعاشاً مؤقتاً وراح زعماؤها يتزلفون للباب العالي ، كما يتزلفون الى بريطانيا فأقاموا ما سمي بالدولة الثانية الضعيفة في أواسط القرن التاسع عشر.
وأخيراً ومع احتدام المشاكل في الدولة العثمانية وانتقاض ولايات الرومللي عليها وما أدى اليه ذلك من حروب مع : تلك الولايات المدعومة من الغرب المسيحي بدأت الدولة الوهابية الثالثة في الظهور على يدي عبد العزيز الذي استفاد من تلك الظروف ومن ظروف الحرب العالمية الأولى ليقيم في نهاية الأمر المملكة العربية السعودية التي تدين بالوهابية وتتسمى باسم العائلة التي تحكمها من دون سائر الأسماء التاريخية والجغرافية.
وإذا حاولنا تلمس دور العقيدة الوهابية في الحروب السعودية ، فإننا نجده من الناحية العملية ، دوراً بشعاً للغاية ، وهذا ما يتبين جلياً من مقارنة سلوك السعوديين الوهابيين بسلوك القبائل العربية الأخرى التي تؤمن بالقيم والخلقيات المتوارثة .
فالقيم المتوارثة سواء ما يعود منها إلى الإسلام أو إلى المؤثرات الأخرى ، تقوم على : احترام العهود، وانذار الخصم قبل مهاجمته ، كما تقوم على احترام حياة الأسير والتعالي عن قتل النساء والأطفال وسائر الضعفاء وغير المسلحين ، والترفع عن التمثيل بالجثث أو بالأحياء، ثم هي في الجانب الآخر تقوم على العفو عند المقدرة والصفح عن الخصم المستجير وما الى ذلك.
وفي المقابل فإن موقف الوهابيين يقوم على الغدر ونقض العهود وقتل الأسرى والتمثيل لبث الرعب وقتل النساء والأطفال وقتل المستجيرين ، وبكلمة فهو يقوم على كل ما ينافي القيم والمثل المعروفة على طول الخط.
وهذا الموقف الغريب يعود الى الاعتبارات الفكرية الغريبة ، وهكذا فكما كانت الوهابية محنة في الجانب الفكري كانت طامة على الصعيد العملي.
الجولة الأولى :
بدأ محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب بنشر الوهابية بالسيف ، فكان الأمر مناسبة لابن سعود ولأبنائه من بعده، لكي يفرضوا هيمنتهم على القبائل الأخرى وينتزعوا ما يشاؤون من أموالها وممتلكاتها مدعومين بـ «شرعية ، دينية مزعومة تسمح لهم بالقتل والسلب والسبي واستعباد المسلمين دون غيرهم من أبناء الديانات الأخرى . ونحن في ما يلي لن تؤرخ لحركة آل سعود بل ستتناول سلوكهم تجاه المسلمين .
مجازر الوهابيين في شرقي الجزيرة العربية :
وكانت باكورة منجزات الوهابية الانتقام من عثمان بن معمر حاكم العيينة الذين أرسلوا من اغتاله فيما كان يؤدي صلاة الجمعة في رجب سنة ١١٦٣هـ (١٧٦٠م) ، وكانت التهمة الموجهة إليه هي تهمة الكفر التي طالت كل المسلمين.
ولكن العيينة ما لبثت أن هبت في وجه الطغيان السعودي الأمر الذي سمح بموجبه السعوديون الوهابيون لأنفسهم أن يسووها بالأرض ويردموا آبارها ويحرقوا أشجارها ويقتلوا ويسبوا.
ثم أخذ محمد بن سعود يتحرش بالإحساء سيراً على العادات القبلية في شن الغارات والغزوات . فأرسل إليها حملة بقيادة ابنه عبد العزيز فهاجم المبرز سنة ١١٧٦ هـ (١٧٦٢م) ولكنه هزم وتراجع . ثم أغار على منطقة «قزلة» في نجد وبعض سكانها من أصول يمنية فتنادى الخوالد والعجمان ، وهم من أبناء (يام)، واستنجدوا بأبناء عمهم المقيمين في نجران ، فزحف حسن بن هبة الله المكرمي على رأس حملة هامة وصلت إلى مشارف الدرعية ـ عاصمة آل سعود والوهابية – وأوقع بمحمد بن سعود هزيمة منكرة ثأراً لأقاربه ، فطلب ابن سعود الصلح ، فأجابه إليه المكرمي وجرى ذلك كله قبل وصول الخوالد بقيادة عريعر أو عرعر إلى ساحة المعركة.
وخضع محمد بن سعود لشروط حسن المكرمي وتم الاتفاق على ما يلي :
1 ـ يمتنع أهل نجران من دخول الدرعية ويسلموا ما تحت أيديهم من الأسرى السعوديين .
2 ـ يتعهد كل من محمد بن عبد الوهاب و محمد بن سعود بدفع عشرة آلاف جنيه ذهباً كتعويض لأهالي نجران عن رحلتهم .
3 ـ يلتزم محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب بأن لا يتعديا حدود الدرعية
4 ـ يتعهدان كذلك بأن لا يرفعا راية الدعوى الوهابية «الباطلة» مرة أخرى .
وبهذا أنقذ محمد بن سعود دعوة شريكه محمد بن عبد الوهاب من الزوال ولكن المعارك لم تنته بين السعوديين والخوالد وبقيت الغارات والغزوات تشن من حين إلى حين ولم تتوقف بموت محمد بن سعود سنة ١١٧٩هـ (١٧٦٦م) . فقد تولى عبد العزيز بن محمد بن سعود الأمر بعد والده وكان تزوج ابنة محمد بن عبد الوهاب، فأكمل عمليات القتل والسلب والنهب والسبي، نشراً للدين الجديد .