أهمية الأعداد في الذكر والدعاء
12 أغسطس، 2025
منهج الصوفية

بقلم الكاتب والباحث الصوفى الكردى الدكتور : عبدالكريم فتاح أمين
لكل شيء سر لا بد للدارس إن يدور وراء الاعثار على ذلك السر ليكون على بصيرة في مطلوبه.
وهذا العثور يمكن بهذين الطريقين:
الأول: الدراسة العلمية وقراءة جوانب عديدة حول ذلك الجانب، وتقليب الأعين والتفكير والتأمل الدقيق. ويمكننا أن نضع لهذا الطريق إسما آخر النظر العقلي.
الثاني: اتباع النصوص والنقول، إذ المواضيع الغزيرة لا تخضع للتطلع والبحث والتقييم ، ويعتبر أنها أمر تعبدي لا تكون مقدورة للباحث. وكذلك يمكننا أن نضع لهذا الطريق إسما آخر النظر النصي.
والذي نحن بصدده لنا اذكار وأدعية كثيرة تسن قراءتها بأعداد محدودة من طرف حضرة صاحب الرسالة – صلى الله عليه وآله وسلم – ولنا الاقتاء به وليس لنا الاجتهاد في تقليلها أو تكثيرها ، نقصها أو زيادتها بل الأهم العناية بها وفق النصوص، وعلاوة على الإلتزام بالاعداد الواردة ينبغي أن نراعي أوقاتها.
ونحاول عدَّ بعض منها على مايلي لأن الموقع لا يسع عدَّ الكل:
١- ( عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سبح الله تعالى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)
وتعتبر تلك الصيغ سنة مؤكدة لأنها مرتبطة بالصلوات المكتوبات ولكن دبرها.
٢- ( عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سبح الله تعالى دبر كل صلاة مكتوبة مائة مرة، وهلل مائة مرة، وكبر مائة مرة، غفرت ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر)
وللتنبيه فأولى أولى لأنها مستفاضة رواية .
توضيح حول التهليل في الحديث المار:
ذكر ( لا إله إلا الله)قد ورد بعددين: العشر في رواية أخرى والمأة في هذه الرواية ، فللمهلل التهليل بهذين العددين ولكن الاكثر أكثر أجرا كما يبدو ذلك في الحديث الآتي.
٣- ( وقد ورد عن أبي الدرداء مرفوعا: ليس من عبد يقول لا إله إلا الله مائة مرة إلا بعثه الله تعالى يوم القيامة وجهه كالقمر ليلة البدر ولم يرفع لأحد يومئذ عمل أفضل من عمله إلا من قال مثل قوله أو زاد
٤- حین يأوي الإنسان إلى فراش النوم يقصد أنه يطوي مرحلة أعمال النهار واليوم من العمل لاجل تحصيل المعاش والعلم والمعرفة والثقافة، ويغلق الصحبة والعلاقة والمعاشرة مع ذويه وأقاربه وزيارة الأحباب من كلا الطرفين ويفتح صفحة أخرى في حياته من الطمأنينة والاستراحة والاضطجاع وغمض الأعين كما قال الرسول الأعظم- صلى الله عليه وآله وسلم :
( عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: مَن قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، ثلاث مراتٍ؛ غفر الله له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت عدد ورق الشجر، وإن كانت عدد رمل عالج، وإن كانت عدد أيام الدنيا)
٥- وبعد التيقظ من النوم يبدأ المُتيقِّظ بحياة أخرى جديدة من النباهة العقلية والنفسية والجسدية والمجاهدة والوعي وتكميل شؤون التي لم يفرغ منها في الأمس : (عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال بعد الفجر ثلاث مرات، وبعد العصر ثلاث مرات: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، كفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)
٦- وهذا ذكر آخر متعلق بما تعلق به الذكر السابق المرقم بالخمسة (٥) ولكن يحمل صفة أخرى وهي مساندة الله تعالى لعاملي الدنيا والآخرة: (( من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم… سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة)
٧- في بعض الأحايين نرى الترابط بين أشياء عديدة كأنها عبارة عن شيء واحد، ولهذا من عامل ببعضها وتغافل عن البعض فكأنما لم يفعل شيئاً، وهذه الأفعال التي قد ذكرها الرسول الأكرم في الحديث وَعَدَّها تعني الاحتفاظ والمعاملة بها: (عن أَبي عُمارة الْبراءِ بنِ عازبٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: “أَمرنا رسولُ اللَّه ﷺ بِسبْعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أَمرنَا بِعِيادة الْمرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجنازةِ، وتَشْمِيتِ الْعاطِس، وَإِبْرارِ الْمُقْسِمِ، ونَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِجابَةِ الدَّاعِي، وإِفْشاءِ السَّلامِ. وَنَهانَا عَنْ خواتِيمَ –أَوْ: تَختُّمٍ بالذَّهبِ- وَعنْ شُرْبٍ بالفضَّةِ، وعَنِ المَياثِرِ الحُمْرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ)
على سبيل التمثيل: عيادة المريض لا تغني عن اتِّبَاعِ الْجنائز وبالعكس بل ينبغي على السالك الحقيقي التحلي بتلك الصفات الحميدة السبع والتخلي عن تلك الصفات الرذيلة السبع.
فهذه الأذكار بهذه الكميات والأعداد توحينا إلى ضرورة المجاهدة واتعاب النفس والجسد للوصول إلى الغاية القصوى والهدف.
فالأداء العشوائي والتخميني لا تدفع العابدين من التهميش والحرف إلى لُحٚمةِ الأهداف وصُل٘بها، هل تجري السفن على اليبس؟
فالجواب: لا يمكن عقلا ولا واقعاً كما الشاعر أبو العتاهية :
تَرجو النَجاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها
إِنَّ السَفينَةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ
أَنّى لَكَ الصَحوُ مِن سُكرٍ وَأَنتَ مَتى
تَصِحُّ مِن سَكرَةٍ تَغشاكَ في نَكَسِ
أقول في نهاية مطاف الموضوع: فالأعداد نوع جسيم من الإعداد.