تبرئة السيرة النبوية من التهم السطحية التى نسبت إليها

سلسلة : مقالات في الفقه الإسلامي المعاصر
بقلم الأستاذ : مهدى صالحى

إن مايشهده العالم اليوم من انفلاتات في الفكر والسلوك بين مختلف الأيديولوجيات خاصة في العالم العربي الإسلامي قد أفرز اتجاهات دينية قدّمت للإنسانية أنموذجا لاأخلاقيا حول السيرة النبوية جرّاء التصورات الطوباوية ،وهذا دافع موضوعي إلى قراءة السيرة وفقا لمقوّمات العصر لإعادة تأسيس فهوم تنويرية لما كان سائدا في الفترة النبوية ذلك لأن السيرة هي إطار مرجعي للعقل الإسلامي المعاصر يستلهم منها الأنموذج الأخلاقي الذي يقدّم أرقى الصور الحضارية في ظل واقع متغيّر انقلبت فيه المفاهيم إلى الضدّ

وترمي هذه القراءة إلى تقويم الادّعاءات القائلة بأنّ العنف والخطاب التحريضي الإقصائي طافحة بكثافة في عصر النبوة والعصر اليوم ولعلّ الانحرافات اللاواعية الصادرة عن تلك الاتجاهات الدينية في الآونة المتأخرة جعلت بعض النقّاد تطلق أحكاما مسبقة حول حقيقة السيرة والإسلام معا وينسبون إليهما كل مساوئ التطرف والتعصب والانغلاق الحضاري وهي تصورات سطحية بالإمكان تقويمها من خلال الإبانة عن شمائل ومناقب النبوة في جلّ التصرفات التي لاتخلو من ذلك البعد الأخلاقي في مقام :”الدعوة،السلم،الحرب،المعاملات..” وهي محاولة تقريبية ترسّخ وعيا شاملا في الذهنية السائدة حول حقيقة منهج الإسلام في بعديه العقائدي والتشريعي وأهدافه المتغياة المتمثلة في المنظومة الايتيقية كما هوشائع في الحقل الفلسفي .

وإذاكان المعنى الفلسفي للايتيقا تلك التصورات المثالية حول الفعل الأخلاقي التي تتسم بصبغتها النظرية تعكسها الممارسة العملية على الواقع فإنّ هذا المطلب الأخلاقي الفلسفي هو في حدّ ذاته بعدا مقاصديا قد تمثّله شخص النبوة حيث يقرّ غاندي:إني لأحب محمدا لبراءة نفسه من الرياء والتصنّع”” وهو إقرار يكشف عن قراءة إيتيقية للسيرة من شأنها تنزيه الإسلام عن تلك الرؤى المحدودة المنحصرة في إقصاء الآخر والانغلاق الديني الحضاري؛ويبدو أن السبيل الملائم لبناء رؤية حضارية حول السيرة في هذا العصر تكون بإبراز أبعاد البعثة النبويةوهي إرساء منظومة قيمية:”الرحمة،التسامح،الرفق،الإنصاف….”

ورغم ما لقيه عليه الصلاة والسلام من مكاره من طرف معارضيه في مسيرته الدعوية إلاّ أنه قد تحلّى بسلوك جمالي يصلح أن يكون أنموذجا بديلا عن تلك الانحرافات السلوكية الفكرية لحلحلة الأزمة الأخلاقية في الفضاء الإنساني قصد الارتقاء بالوعي الجمعي ولتضييق الفجوة بين قيم النبوة في ضوء السيرة وبين هذا الواقع لأن كل ذلك يصبّ في المصلحة للإسلام بتجاوز ذلك التصور المغلوط حوله.