الموت سهم أُرسل إليك، ولكن عمرك بقدر سفر السهم إليك


بقلم د : عبدالفتاح سعيد وزير
الباحث بجامعة الأزهر الشريف

سهمُ المنيةِ قد أُرسلْ إلينا
وعمرُكَ في المدى سفرٌ ودربُ

فكلُّ يومٍ ترى فيهِ شروقاً
فإنَّ سهمَ الردى منكَ يقربُ

قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني! أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفاجئك.

الموت لا يفرق بين ليل ونهار ولا صيف وشتاء. إنه قدر لا يرتبط بعمرٍ محدد أو سنٍ معلوم، ولا ينتظر مرضًا ليحل. يأخذ القوي المعافى كما يأخذ السقيم العليل، ويختطف الشاب في ريعان شبابه كما يختطف الشيخ في آخر أيامه.

قال تعالى : (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)

 إن النجاة من الموت ليست للأقوى، ولا للأغنى، ولا لصاحب السلطة والنفوذ، ولا حتى لكثير الأبناء. والدليل على ذلك مصير الأمم السابقة التي كانت تملك كل هذه الأشياء. أين ذهب الأباطرة والملوك؟ وأين الأبطال والأغنياء؟ أين مصير قارون، وثمود، وفرعون، وقوم هود؟

فالاستعداد للموت هو ما يدفعك لتقصير أمنياتك الدنيوية، وزيادة عملك الصالح. على العكس، من يطول أمله في الدنيا، يقلّ عمله. لذا، تذكر أن الموت قد يأتي في أي لحظة، واستغل كل لحظة من حياتك بالعمل الصالح.

إن الحياة رحلة فريدة، حيث يمر الإنسان بأيامها ولياليها في سعيٍ مستمر، معتقدًا أن الغاية هي الوصول. لكن قد يغيب عن أذهاننا أن الهدف الحقيقي يكمن في كيفية خوضنا لهذه الرحلة. في هذا الإطار، يظهر التشبيه البليغ: “الموت سهم أُرسل إليك، ولكن عمرك بقدر سفر السهم إليك.”

عند تخيل الموت كسهم قد انطلق، ندرك حقيقة لا مفر منها: إنه قضاء محتوم. فالسهم، بمجرد أن يترك قوسه، لا يمكن لأحد أن يوقفه أو يغير مساره. هذه هي طبيعة الأجل، الذي كُتب في علم الغيب منذ ولادة الإنسان. إنه سهم موجه إلينا جميعاً، بلا استثناء، لا يفرق بين قوي أو ضعيف، غني أو فقير. ومهما حاولنا الاختباء أو الهرب، فإن مساره محدد ووصوله مؤكد.

أما عمر الإنسان، فهو يمثل المسافة الزمنية التي يستغرقها السهم في رحلته إلينا. هذا هو الجزء الأهم من المعادلة. فبعض الأسهم تنطلق من مسافة قريبة، فتكون رحلتها قصيرة، بينما تنطلق أخرى من مسافة بعيدة، فتطول مدة سفرها. ولكن في كل الأحوال، فإن هذه المدة هي حياتنا.

السهم في الطريق فماذا أفعل؟!

هذا دعوة للتوقف عن عدّ الأيام، والبدء في جعل الأيام ذات قيمة. فالحياة ليست مجرد انتظار لوصول السهم، بل هي استغلال كل لحظة في رحلته.

هذا المفهوم يجعل من كل يوم فرصة ثمينة، ومن كل عمل إضافة نوعية. فإذا كان السهم قادمًا لا محالة، فإن الحكمة تقتضي أن نملأ هذه المسافة بكل ما هو جميل ومفيد. أن نزرع الخير، وأن نبني المعرفة، وأن نترك أثرًا صالحًا يستمر حتى بعد وصول السهم إلى منتهاه.

لا تكن النملة أكيس منك .. تجمع من صيفها لشتائها

وفي خضم الحياة الحديثة ومغرياتها، بين الشهوات المتلاطمة وحب الدنيا، تغلب الغفلة على قلوب الكثيرين. هذا النسيان يجعلهم يبتعدون عن ذكر الله وينسون الموت، فيتراكم عليهم الذنوب وتسيطر الغفلة على حياتهم.

قال تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ)