دعوة للخروج من العصبيات الجاهلية
27 يوليو، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : عبدالله قدري سعد
في زمن تتسارع فيه الأحداث، وتتفاقم فيه الفتن، بتنا نرى موجات من التنازع الديني والفكري، يتحول فيها الخلاف إلى تخوين، والاجتهاد إلى تكفير، وكأننا عدنا إلى جاهليةٍ جديدة، عنوانها: “أنا ومن معي فقط على الحق، وسائر الخلق على ضلالة”.
هذا النمط من التفكير لا يليق بدينٍ نزل رحمةً للعالمين، ولا يعبّر عن خُلق نبيٍ كان يقول لمن آذاه: “اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون”. بل إن أعظم ما يجب أن نعود إليه هو الفهم النبويّ العميق: “عليك البلاغ، وعلينا الحساب”.
لقد غابت عنا القاعدة القرآنية المحكمة:
{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}
وغلب على المشهد صوتُ من يظن نفسه وصيًّا على الجنة، يُدخِل فيها من يشاء، ويمنع عنها من يشاء، ناسياً أن الله لم يفوّض أحدًا ليتحدث باسمه في مصائر العباد.
الدعوة إلى الله مسؤوليةٌ عظيمة، لكنها لا تمنح الداعية سُلطةً على الناس، ولا تخوّله أن ينصّب نفسه قاضيًا على قلوبهم. فالرسول ﷺ – وهو سيد الدعاة – لم يُؤمر إلا بالبلاغ، وقال له ربه: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}
فليت أهل الدعوة والعلم والتوجيه يعيدون النظر، ويضبطون الخطاب، ويتركون باب الرحمة مفتوحًا، فإن ربنا غفور، والنبي ﷺ رؤوف، والناس فيهم الجاهل، وفيهم المتردد، وفيهم الباحث عن الحق.
ديننا ليس ساحة صراع حزبي، ولا مضمار منافسة طائفية. بل هو رسالة نور، تُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضيق إلى السعة، ومن التناحر إلى التعارف.
فلنعُد جميعًا إلى الأصل النقيّ: “إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ”
فبالصدق، وبالعدل، وبالرحمة، تنجلي الغشاوة، وتُشفى القلوب.
والله وحده يعلم من اهتدى، ومن ضل، ومن تاب، ومن ندم، ومن صدق، ومن نافق.
فدعوا الخلق للخالق، واشتغلوا بعيوب أنفسكم، ففيها من العمل ما يكفي عمرًا.