يولد الأمل حين يشتد الألم
20 يوليو، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : صالح علي صالح الفقي
الموجه العام بوعظ الأزهر الشريف – ومشرف لجان فتوى الأزهر بمنطقة وعظ كفر الشيخ سابقا
قول الله تعالى:
“أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ” [البقرة: 214].
أفَتَطْلُبُونَ الجنة بلا ثمن؟
في زحمة الحياة وتقلّب أحوالها، ما أكثر ما نتعلّق بالأمنيات الجميلة والغايات العالية، وأعظمها أمنية الفوز بالجنة، دار القرار والنعيم المقيم.
لكن الله، العزيز الحكيم، يُعيدنا إلى أرض الواقع، ليقول لنا بصرامة ممزوجة بالرحمة:
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾؟
أي: أتظنون أن طريق الجنة مُعبّد؟ أتُمنّون أنفسكم بدخولها دون أن تذوقوا شيئا مما ذاقه الأنبياء والصالحون من قبلكم؟
لقد كان طريقهم مليئًا بالصعوبات والعراقيل، حتى بلغ بهم الحال أن زُلزلوا زلزالًا عنيفًا، واهتزت الأرض تحت أقدامهم، وارتجّت القلوب في صدورهم، حتى استبطأ بعضهم النصر فقال نبيهم- محمد صلى الله عليه وسلم- في غزوة الأحزاب ومعه أصحابه –وهو سيد الصابرين–: ﴿مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ﴾؟
ليأتيهم الجواب من فوق سبع سماوات:
﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ﴾.
فيا من تهفو نفسك إلى الفردوس، اعلم أن الجنة سلعة الله الغالية، وأنها لا تُنال بثمن بخس .
إن الجنة لمن ثبت على دربها صبرًا، وجاهد في سبيلها صِدقًا، واحتمل في طريقها ما لا تحتمله الجبال.
واعلم أيضا أنه حين يزداد الظلام.. يولد الفجر، وحين يشتدّ الألم يولد الأمل.
في لحظة من لحظات الضيق العظيم، حيث تُغلق الأبواب، وتُحبس الأنفاس، ويتوارى الأمل خلف ستار كثيف من العجز، يتجلى لنا هذا المعنى القرآني العجيب، الذي يلامس القلوب، ويربت على روح كلّ مهموم:
﴿حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا﴾ [يوسف: 110]
إنها لحظة حرجة، لا تمر بها إلا النفوس العظيمة؛ لحظة يشقّ فيها الألم طريقه إلى قلوب الأنبياء، وهم أعظم الناس يقينًا. لكنها ليست لحظة ضعف في الإيمان، بل هي لحظة “إنسانيّة” محضة، حين يطول البلاء، ويجثم الليل الثقيل على قلوبٍ حملت مشاعل الخير في ليالٍ مقفرة.
وختاما: الجنة لا تُنال بالأماني، ولكن بالعزم والمشقّة، واجتياز الامتحان تلو الآخر بصبر وثبات.