الأمين
7 أغسطس، 2025
قبس من أنوار النبوة

بقلم الأستاذ الدكتور : مجدي إبراهيم
أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف جامعة أسوان
كان اسم “الأمين” يمثل التكافؤ الخُلقي في شخصه، صلوات الله وسلامه عليه أصدق تمثيل. فلم تكن صفة أرجح في ميزان العدالة فيه على صفة، وهو الذي بلغ تمام الصفات الفُضلى جميعاً فأتمّها واستوفاها على الكمال الذي لا مزيد عليه؛ فشجاعته كحكمته، وحكمته كعدالته، وعدالته كرباطة جأشه، ورباطة جأشه كقوته في الحق، وقوته في الحق كعطفه، وعطفه كسماحته، وسماحته كصدقه، وهكذا لا تجد صفة فيه ناقصة عن أخرى، ولا صفة عالية عن الأخرى، ولا صفة فيه أقلّ من الأخرى؛ بل تتكافأ جميع الصفات في شخصه الشريف تكافؤ العدالة لكأنما توزن بميزان مُحرّر دقيق بغير زيادة ولا نقصان.
كانت أخلاقه تنبع كلها من فطرته بنسب متفقة متساوية؛ فصبره مثل شجاعته، وشجاعته مثل كرمه، وكرمه مثل حلمه، وحلمه مثل رحمته، ورحمته مثل مرؤته، وهكذا لا تجد له خُلقاً في موضعه من الحياة يزيد أو ينقص على خُلق آخر في موضعه منها؛ بل تساوت لديه حظوظ الملكات الباطنة وتوافقت جميعها بأنصبة عادلة على الفطرة النقية الصافية، لا يزيد فيها خُلق على خلق، ولا ينقص منها خُلق عن خلق؛ ومن هنا كان جماع أمره عند قومه “الأمين”.
وإذا كان اسم “الأمين” ـ كما تقدّم ـ يمثل التكافؤ الخلقي أصدق تمثيل؛ فهذا التكافؤ الخلقي أيضاً في وجوده الواقعي في شخصية محمد عليه السلام إنما هو بالتحقيق معجزة الحياة في الإنسان؛ لأن التاريخ لم يذكر من النماذج العليا للبشرية من كان هذا التكافؤ الخُلقي خليقته العامة سوى محمد؛ وإذا ذكر التاريخ غيره من النماذج العليا ذكره عنواناً لتبريز جزئي في بعض الأخلاق والفضائل؛ فهذا مثل مضروب في الصبر، وذاك مثل في الحلم، وثالث في الكرم، ورابع في الشجاعة …
وهكذا تتفرّق النهايات في الأخلاق والفضائل في نماذج متعددة، ولكنها تجتمع متكافئة في شخصه الشريف صلوات الله عليه فيما أشار إلى ذلك الفاضل الأستاذ الدكتور محمد الصادق عرجون في كتابه “محمد من نبعته إلى بعثته”؛ وباجتماع الفضائل والأخلاق متساوية متكافئة في شخصه عليه السلام يظهر الإعجاز الإنساني في حياته، وهو القائل ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : “أدبني ربي فأحسن تأديبي”.
ولعَلّ هذا الأدب الرباني هو مصدر الإعجاز في حياته عليه السلام من حيث كان ضابطاً نفسياً يفوق صنع الإنسان بمقدار ما يفوق طاقته على الحسم والعزم؛ فمثل هذا التكافؤ الخلقي في وجوده الواقعي في شرخ شبابه مع ملازمة الظاهرة الاجتماعية الأولى لحياته إنما هو ضربٌ آخر من الإعجاز الإنساني في الحياة