احترام كبار السن مكانتهم بين القلب والشرع والمجتمع


بقلم الدكتور : محمد أنور الأزهري الشافعي 

إمام وخطيب ومدرس بالأوقاف

في كل مجتمعٍ حيٍّ يقدّر قيمه ويحفظ أصوله، يظلّ احترام كبار السن علامة واضحة على النُّبل والرُّقي، ودليلاً على بقاء الرحمة في القلوب، وميزانًا تُوزَن به الأخلاق قبل الأقوال.

أولًا: قيمة شرعية قبل أن تكون اجتماعية

احترام الكبير ليس مجرد عادة أو تقليد، بل عبادة وعلامة إيمان. قال رسول الله ﷺ:
«ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا».

فالنبي ﷺ جعل توقير الكبير جزءًا من هوية المسلم، وخلقًا ملازمًا لصلاح المجتمع. والكبار ـ بما حملوه من تجارب، وبما أدّوه من واجبات طوال أعمارهم ـ لهم في قلوبنا حقٌّ وفي أعناقنا واجب.

ثانيًا: كبار السن مخازن الحكمة وتاريخ البيوت

الكبير في الأسرة ليس مجرد شخص متقدّم في العمر، بل هو ذاكرة بيت ومرشد حياة.
كم من كلمةٍ خرجت من فم أبٍ أو جدٍّ غيّرت مسار شاب، وكم من نصيحة من امرأة كبيرة في السن أنقذت بيتًا من الانهيار، فهي خبرة سنوات طويلة عركتها الأيام وصقلتها التجارب.

ثالثًا: دور المجتمع في حفظ مكانتهم

احترام الكبار لا يجب أن يبقى حبيس البيوت، بل هو ثقافة مجتمع. وهذا يتجلّى في:
ترك الأولوية لهم في الأماكن العامة.

التخفيف عنهم في العمل والجهد.

سؤالهم عن حاجاتهم، وعدم تركهم لوحدةٍ قاتلة.
الاستماع لهم دون استعجال أو تضجّر.

فالكبير لا ينتظر منك مالًا ولا هدايا، إنما ينتظر كلمة طيبة، وابتسامة، وإحساسًا بأنه ما زال مهمًّا ومحلّ تقدير.

رابعًا: وصمة العصر حين يفقد البعض هذا الخلق

للأسف، في زمن السرعة والتكنولوجيا، بات البعض ينظر إلى كبار السن على أنهم «عبء» أو «عائق». وهذا أخطر ما يمكن أن يصيب مجتمعًا؛ فالأمة التي لا تكرم كبارها تفقد جزءًا من روحها، وتنقطع عن جذورها، وتُحرم بركة التجارب والخبرات.

خامسًا: احترامهم استثمار في الغد

حين توقّر الكبير اليوم، فإنما توقّر نفسك غدًا. فالأيام دول، ومن قدّم احترامًا سيجده، ومن زرع تقديرًا سيحصده.

خاتمة

إن احترام كبار السن ليس مجرد سلوك اجتماعي حسن، بل رسالة أخلاقية تُحيي ما مات من القيم، وتُعيد للمجتمع إنسانيته.

فلنُعد لهذا الخلق مكانته ولنجعل كبارنا يشعرون أنهم تاج على رؤوسنا، لا مجرد ذكريات تتنفس بيننا.