هل تتضاعف السيئات في الأزمنة والأمكنة الفاضلة كما تتضاعف الحسنات؟

بقلم : د. ميرنا يونس

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :

فإن اليوم هو الأول من شهر رجب المحرم،
ويكثر السؤال في هذه الآونة عن مسألة، وهي :
هل يتضاعف الأجر والعقاب في الأزمنة والأمكنة المباركة كالأشهر الحرم، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة ؟

وهذه المسألة من المسائل التي بحثها العلماء قديمًا، وتناولوها بالبيان والتفصيل، واختلفت فيها أنظارهم على قولين مشهورين:

القول الأول: مضاعفة الإثم كمًّا وكيفًا

ذهب بعض العلماء إلى أن السيئات تتضاعف في الزمان والمكان الفاضلين كما تتضاعف الحسنات، سواء من حيث العدد أو من حيث شدة الإثم، واستدلوا بآثار عن السلف، منها:

ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
«مالي وبلد تُضاعف فيه السيئات كما تُضاعف الحسنات»

وقول مجاهد رحمه الله:
«تُضاعف السيئات بمكة كما تُضاعف الحسنات»

وهذا القول مبني على تعظيم حرمة الزمان والمكان، وأن انتهاكها يستوجب عقوبة أشد.

القول الثاني: عدم مضاعفة السيئات عددًا، وإنما تغليظها وصفًا

وهو قول جمهور العلماء، ومنهم ابن رجب الحنبلي، حيث قرروا أن السيئات لا تتضاعف من جهة العدد في الأزمنة والأمكنة الفاضلة، لكنها تعظم وتشتد من جهة الإثم والجرم، بخلاف الحسنات فإنها تضاعف كمًّا وكيفًا.

واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى:
﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا﴾

يقول ابن حجر رحمه الله في ذلك:
«الجمهور على التعميم، أي بعدم التضعيف في الأزمنة والأمكنة، لكن قد يتفاوت الإثم بالعِظَم».

ويشهد لهذا ما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال مجاهد:

«رأيت عبد الله بن عمرو بعرفة، منزله في الحل، ومصلّاه في الحرم، فقيل له: لم تفعل هذا؟ فقال: لأن العمل فيه أفضل، والخطيئة أعظم فيه».
أي أن السيئة الواقعة في الحرم أعظم إثمًا من مثيلتها خارجه، لا من حيث العدد، بل من حيث تغليظ الجرم لانتهاك حرمة المكان.

وعليه؛
فإن الحسنات:
تتضاعف كمًّا وكيفًا في الأزمنة الفاضلة (كرمضان، ورجب، وعشر ذي الحجة) وفي الأمكنة الفاضلة (كالحرمين الشريفين)…

أماالسيئات:

لا تتضاعف من جهة العدد، فلا تكون إلا واحدة، سواء في رمضان أو غيره، وهذا من فضل الله ورحمته، لكنها تعظم وتغلظ إثمًا بحسب شرف الزمان والمكان.
فالمؤمن مطالب بتعظيم ما عظّمه الله، وحفظ جوارحه عن المعصية، خاصة في الأزمنة والأمكنة التي شرفها الله، رجاءً للثواب، وخوفًا من عظيم العقاب.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله