السيطرة على الصناعات الإستراتيجية

بقلم الشيخ: حسين السمنودي

إفريقيا حلم إسرائيل الغالي الجزء التاسع:

تستمر إسرائيل في لعب دورها الخفي داخل القارة الإفريقية، مستغلة هشاشة بعض الدول ونقص الرقابة على مواردها الحيوية، لتصبح لاعبًا محوريًا في استغلال الثروات الطبيعية وفرض نفوذ اقتصادي واسع. ففي هذا الجزء، نكشف الستار عن الشبكات الاقتصادية المعقدة التي بنَتها إسرائيل، والتي تتراوح بين تجارة الماس والأسلحة إلى السيطرة على بعض الصناعات الاستراتيجية في إفريقيا.

الماس، على سبيل المثال، أصبح أحد أهم أدوات النفوذ. عبر شركات وهمية وتحالفات محلية، تسيطر إسرائيل على مسارات استخراج وتهريب هذه الثروات، لتصديرها إلى أوروبا وأمريكا، مستغلة الفوضى السياسية في بعض الدول، ومحو أثر الرقابة الدولية. وفي الوقت نفسه، تُستخدم تجارة الأسلحة كوسيلة ضغط وإغراء، فالدول الأفريقية التي تعتمد على السلاح الإسرائيلي غالبًا ما تجد نفسها مقيدة باتفاقيات اقتصادية وسياسية تفرض على حكوماتها قرارات تصب في صالح إسرائيل أولاً وأخيرًا.

هذا التغلغل لا يقتصر على الموارد الطبيعية، بل يشمل أيضًا الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تتحول تدريجيًا إلى فروع للاقتصاد الإسرائيلي، متخفية تحت مظلة شركات استثمارية أو برامج تنمية زائفة. الهدف واضح: بناء قاعدة اقتصادية ثابتة تضمن نفوذًا طويل الأمد، يسمح لإسرائيل بالتحكم في الأسواق المحلية، وفي الوقت نفسه توظيفها كغطاء للتأثير السياسي على القارة بأكملها.

لكن ما يلفت الانتباه حقًا هو الطريقة التي تتعامل بها إسرائيل مع الشعوب الأفريقية. فهي لا تعتمد على القوة العسكرية وحدها، بل على استراتيجية “الاستقطاب الذكي”، مستغلة الفقر، البطالة، ونقص التعليم، لتزرع شبكة من العلاقات التجارية والسياسية التي تجعل أي مقاومة لاحقة صعبة، بل تكاد تكون مستحيلة. وفي ظل هذه الشبكة المعقدة، تتعرض بعض الدول الإفريقية إلى ضغوط داخلية وخارجية، تجعل من قرارها السياسي والاقتصادي مرهونًا بمدى رضوخها لنفوذ هذه القوى الخارجية.

في هذا المشهد المعقد، لا يمكن إنكار أن هناك وعيًا متزايدًا في بعض الدول الأفريقية، حيث بدأت تظهر حركات ضغط شعبية وسياسية لمواجهة التغلغل الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي، لكن الطريق لا يزال طويلًا وصعبًا، ويحتاج إلى استراتيجيات حكيمة ووعي شعبي حقيقي لحماية الموارد الوطنية، واستعادة القدرة على صنع القرار السيادي دون تأثير خارجي.

وفي خضم هذا الواقع الملبد بالتحالفات الاقتصادية الخفية والمصالح المتشابكة، تبقى إفريقيا قلبًا نابضًا بالإمكانات والثروات التي قد تهزم كل المؤامرات إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية والوعي الجمعي. إن التغلغل الإسرائيلي الذي يبدو اليوم كأنَّه متغلغل في شرايين القارة ليس مجرد لعبة سياسية أو صفقة اقتصادية، بل هو تحدٍ وجودي لكل دولة تسعى لحماية مواردها وشعوبها. ومع ذلك، فإن التاريخ يعلمنا أن الشعوب التي تمتلك الوعي والإرادة قادرة على قلب الموازين، وإعادة رسم خارطة سيادتها بيدها، مهما كانت القوى الخارجية جبارة أو متفوقة.

لقد بات من الضروري لكل حكومة أفريقية أن تنظر إلى مواردها وثرواتها كمقدسات لا تقبل القسمة، وأن تصون كرامة شعوبها من عبث النفوذ الخارجي، وألا تسمح لأي طرف، مهما كانت قوته، بتحويل القارة إلى ساحة استهلاك وتجريب لمصالح لا تعكس طموحات أبنائها. إفريقيا، بتاريخها العميق وثقافتها الغنية، قادرة على أن تكون أكثر من مجرد ساحة صراع؛ يمكنها أن تكون مثالاً للسيادة الاقتصادية والسياسية، وعنوانًا لإعادة التوازن في عالم غالبًا ما تُحكم فيه العلاقات من وراء الستار.

إن التحدي الذي يواجه القارة ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلًا. القوة الحقيقية ليست فقط في الموارد الطبيعية أو القوة الاقتصادية، بل في وحدة الشعوب وإدراكها لأبعاد المؤامرات، وفي القدرة على وضع استراتيجيات تحمي حاضرها وتبني مستقبلها. وبذلك، ستظل إفريقيا دائمًا حرة، حاضنة لشعوبها، ورافعة لأحلامها، لا للآخرين الذين يسعون للاستفادة من دمائها وثرواتها دون احترام لحقوقها أو سيادتها.

وهكذا، يبقى الأمل الحقيقي في إفريقيا: وعي الشعوب، حزم الحكومات، وصلابة الإرادة، لتكون القارة قادرة على مواجهة كل أشكال التغلغل، واستعادة سيادتها، وحماية ثرواتها، وخلق مستقبل يليق بعظمة تاريخها، وأحلام أبنائها، وطموحات الأجيال القادمة.