التربية وتنمية قيم المواطنة للأطفال


بقلم ا.م. د/ محمد السيد فرج الماظ

 أستاذ أصول التربية والتخطيط التربوي المساعد
كلية الدراسات العليا للتربية – جامعة القاهرة

تعد مرحلة الطفولة حجر الأساس لبناء الإنسان المواطن الصالح الذي تقع عليه أعباء التنمية وبناء الوطن؛ لأن أطفال اليوم هم نساء ورجال الغد وعليهم يقوم المستقبل؛ وهم يمثلون شريحة واسعة في المجتمع يرتبط به تقدمه ونهضته، ويرسم من خلاله مستقبله؛ ومن ثم فإن الاهتمام بالطفولة هو الاهتمام بالحاضر والمستقبل معًا.   

ولتربية المواطنة أهمية كبيرة، فكل إنسان يولد مواطنًا، ولكن من خلال عملية تربية المواطنة، يتحول إلى مواطن صالح، ومن إنسان غير فاعل، إلى مواطن فاعل، ومن ثم فإن تربية المواطنة لدى الأطفال نوعًا من التربية الوقائية؛ إذ إن إكساب واكتساب قيم المواطنة يعد الركيزة الأساسية للمشاركة الإيجابية والفعالة في التنمية الشاملة.   

 وتستهدف تربية المواطنة للأطفال، محاولة تزويد الأطفال (الأطفال هنا: كل إنسان لم يتجاوز عمره ثمانية عشر عامًا) بمجموعة من القيم والمعارف والاتجاهات والأفكار التي تؤهلهم للعيش في مجتمع ديمقراطي، والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية؛ وذلك بهدف تطوير معارف الطفل بالأمور الاجتماعية والسياسية وتنمية الإحساس بالواجب نحو المجتمع المحلي والدولي.

وتتأكد أهمية مراحل التنشئة الأولى لتنمية قيم المواطنة للأطفال، وخاصة في المجتمعات متعددة الثقافات أو العرقيات أو المذاهب الدينية, وتأتي المؤسسات التعليمية في مقدمة الوسائط التربوية المسئولة عن تلك المهمة، من خلال المقررات الدراسية والأنشطة المدرسية، ناهيك عن العلاقات الإنسانية المتبادلة داخل المناخ المدرسي في مواقف متعددة، ويمكن من خلالها إكساب الأطفال قيم ومهارات بعينها تتعلق بتقبل الآخر، وتؤكد على قيم الحوار، والسلام، والعقلانية، واحترام خصوصية الآخر وثقافته وعقيدته، ولاشك أن كل ذلك سيؤدي إلى بناء وتكوين أطفال منفتحين على أنفسهم وعلى العالم المحيط بهم، ومتعاونين مع غيرهم في إطار من العيش المشترك الذي تتحقق فيه قيم ومبدأ المواطنة للأطفال.  

إن التنشئة الاجتماعية منذ الطفولة هي المحك الرئيس لتربية المواطنة للطفل، مما يجعل مشاركة مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة ودور العبادة ووسائل الإعلام وجماعة الرفاق في سياق متناغم أمرًا لا بد منه، ومن هنا فإن تربية المواطنة للأطفال ليست مسئولية المؤسسات التعليمية فحسب، بل مسئولية مجتمعية مشتركة، تضطلع بها بشكل رئيس جميع مؤسسات المجتمع، ويتوقف نجاح المؤسسات التعليمية في تربية المواطنة للأطفال إلى حد كبير على مقدار ما تسهم به باقي مؤسسات المجتمع في هذا الشأن, مع التأكيد على أن المؤسسة التعليمية المحققة للعدل والمساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز، هي في الطريق الصحيح لتربية المواطنة للأطفال ممارسة وسلوكًا، وكل ذلك رهن في الأساس بأن تكون المؤسسة التعليمية حاضنة لقيم المواطنة لتربية الطفل عليها.    

 ولتنمية  قيم المواطنة للأطفال، فإن الأمر يستلزم  مجموعة من الاجراءات ، ومنها ضرورة العمل على تحقيق ما يلي:

  • الحد من أساليب التسلط والحماية الزائدة، والمؤثرة على نمو الاستقلالية والثقة بالنفس للطفل.

  • الحد من النظر إلى الطفل على أنه عاجز عن معرفة وإدراك الحقائق والمعارف.

  • الحد من كبح مبادرات ورغبات الأطفال للتساؤل والاكتشاف والفعل في الأسرة والمدرسة.

  • ضرورة النظر إلى الأطفال على أنهم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، وقادرون على المشاركة في مجتمعاتهم.

  • تمكين الأطفال من الممارسة العملية للمواطنة في كل جوانب الحياة من الأسرة إلى المدرسة والإعلام والحياة الفكرية والثقافية.

  • تحقيق التكامل بين الأسرة والمؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية ومؤسسسات المجتمع المدني، يسهم بشكل كبير في تربية المواطنة للأطفال.

  • التنمية المهنية المستمرة لمعلمي الأطفال.

  • تنمية الوعي لدى العاملين بالمدارس بماهية تربية وقيم المواطنة للأطفال.

  • تغيير أنماط التعليم والتعلم السائدة في مدارسنا، والتركيز على الطفل والتعامل مع ميوله وقدراته مع الاعتماد على تنمية المناخ الديمقراطي وقيم الحوار والتسامح والعدالة والمساواة داخل المؤسسة التعليمية، وتنمية قدرات الأطفال على التفكير النقدي والإبداع.