أدلة الأحكام عند الأصوليين (15)


بقلم فضيلة الشيخ : أبو بكر الجندى

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

أدلة الأحكام هي: ما يتوصل بصحيح النظر فيها إلى حكم شرعي.

وتنقسم الأدلة من حيث الاتفاق والاختلاف إلى: أدلة متفق عليها بين المسلمين أجمعين، وهي: الكتاب والسنة، وأدلة اتفق عليها الجمهور وهي: الإجماع والقياس، وخالف النظّام المعتزلي في الإجماع، وخالفت الجعفرية والظاهرية في القياس، وأدلة مختلف فيها بين العلماء، كالعرف والاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي.

وتنقسم الأدلة من حيث أصولها إلى: أدلة نقلية، وهي: الكتاب والسنة، يلحق به: الإجماع ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا على رأي من يأخذ به، وأدلة عقلية، وهي: التي تحتاج إلى النظر والرأي، كالقياس، ويلحق به: الاستحسان، والمصالح المرسلة، والاستصحاب.

وترتيب الأدلة من حيث الرجوع إليها الكتاب، ثم السنة، ثم الإجماع، ثم القياس، وعلى هذا اتفق جمهور الفقهاء القائلين بحجية الإجماع والقياس.

أولاً: القرآن الكريم، وهو: كتاب الله تعالى المنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر.

والأحكام التي اشتمل عليها القرآن الكريم هي: الأحكام العقدية، والأحكام الأخلاقية، والأحكام العملية المتعلقة بأفعال وأقوال المكلفين، وهي المقصودة بالفقه وأصوله، وهذه الأحكام العملية نوعان: عبادات كالصلاة والصيام، ومعاملات تنظيم علاقة الفرد بالفرد أو بالجماعة، كالنكاح والطلاق والبيع والحدود والقصاص والاقتصاد وأحكام الأسرة.
دلالة القرآن على الأحكام: القرآن الكريم قطعي الثبوت لوصوله إلينا بطريقة التواتر المفيد للعلم اليقيني، إلا أن دلالته على الأحكام قد تكون قطعية إذا كان اللفظ لا يحتمل إلا معنى واحدًا، كالأعداد، وقد تكون ظنية إذا كان اللفظ يحتمل أكثر من معنى، فتكون دلالته على الحكم دلالة ظنية، كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، والقرء: يحتمل الأطهار أو الحيضات. وهذا النوع يحتاج إلى مرجح، والراجح أن المراد بالقرء في هذه الآية هو الحيض لحديث: “دعي صلاتك أيام إقرائك”.

ثانياً: السنة النبوية

السنة عند الفقهاء: تطلق على ما يقابل الواجب، والمراد به النافلة، وتطلق على ما يقابل البدعة.

والسنة عند الأصوليين هي: ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير.

حجية السنة:
من المنقول: قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 3، 4]. وإجماع المسلمين على ذلك، ومن المعقول، أنه قد ثبت بالدليل القاطع أن محمداً رسول الله، ومعنى الرسول هو المبلغ عن الله، ومقتضى الإيمان برسالته لزوم طاعته والانقياد لحكمه وقبول ما يأتي به، ومن دون ذلك لا يكون للإيمان به معنى، ولا تتصور طاعة الله والانقياد لحكمه مع مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وتنقسم السنة النبوية من حيث ماهيتها إلى:
ـ سنة قولية، وهي أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم التي قالها في مناسبات مختلفة وأغراض شتى، وتكون مصدراً للتشريع إذا كان المقصود بها بيان الأحكام التشريعية، أما إذا كانت في أمور دنيوية بحتة لا علاقة لها بالتشريع ولا مبينة للوحي فلا تكون دليلاً من أدلة الأحكام
.
ـ سنة فعلية، وأفعاله صلى الله عليه وسلم التي هي مصدر للتشريع هي:

ـ ما كان من أفعاله بياناً لنص مجمل، إما بصريح المقال أو بقرائن الأحوال، فمن الأول: حديث: “صلوا كما رأيتموني أصلي” وحديث: “خذوا عني مناسككم”، ومن الثاني: قطع يد السارق، فهو بيان لقوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا }[المائدة: 38].
ـ ما فعله ابتداءً وعُرفت صفته الشرعية من: وجوب وندب وإباحة، فإنه تشريع للأمة، ويثبت حكمه في حق المكلفين؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: 21].

ـ ما فعله صلى الله عليه وسلم ولم تُعرف صفته الشرعية، ولكن عُرف أن في الفعل قصد القربة لله، كقيامه ببعض العبادات دون المواظبة عليها، فإن الفعل يكون مستحباً في حق الأمة, وأما إذا لم يُعرف في الفعل قصد القربة، فإن الفعل يكون دالاً على إباحته في حق الأمة، كالمزارعة والبيع ونحو ذلك.