من فوق الجدار إلى محراب الخشوع
17 ديسمبر، 2025
بستان الصالحين

بقلم أ . د / عبدالغنى الغريب
أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر
الفضيل بن عياض :
كان الفُضيل بن عياض لصاً، وكان قد وقع في عشق جارية، وفي يوم من الأيام ذهب ليلاً ليرى هذه الجارية وتسلق الجدار، وبينما هو يقف على الجدار سمع شيخاً كبيراً في السن يقرأ القرآن وهو يتلو قول الله تعالى: (ألم يَأنِ للذينَ آمنَو أنْ تخَشع قُلوبُهُم لِذكرِ الله) يبس في مكانه وتجمد وهو يبكي ويقول: “قد آن، قد آن” .
ورجع إلى الله وتاب وأصبح من كبار العلماء والشيوخ .
#وكان الخليفه هارون الرشيد الذي كان حاكماً لجزيرة العرب وبلاد الشام لا يثق في أحد إلا في الفضيل بن عياض لكثرة ورعه وزهده في الدنيا.
#وكان لدى الفُضيل بن عياض ولداً يسمى:”عليّا” ، و كان تقياً جداً. وكان الفُضيل إماما للمسجد، ولكنه قبل أن يصلي ينظر هل ابنه عليّ يصلي خلفه أم لا؟
فإذا كان يصلي معه، يقرأ الفضيل للمصلين آيات الرحمة، وعندما يصلي ابنه مع إمام ثانِِ، يقرأ لهم آيات العذاب.
#أتدرون لماذا؟
لأن عليّا كان في كل مرة يسمع فيها آيات العذاب يسقط مغشياً عليه من شدة خوفه من الله تعالى.
#وفى يوم من الأيام نسي الفُضيل أن يتأكد من وجود ابنه خلفه، فقرأ للمصلين آيات العذاب. أتعلمون ماذا حصل لولده ؟سقط عليّ من بين المصلين، ولكن هذه المرة لم يكن سقوطه مغشيا عليه، بل سقط ميتا.
#مات عندما سمع آيات العذاب، مات من خشيه الله ، وسمي بعد هذا ب: “قتيل القرآن”.
#وأقول وأردد ما قاله ربنا: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾
#كأن الله برحمته ينادينا
قائلًا: أما آن لقلوبكم أن تلين؟
أما آن للإيمان أن يتحرك في صدوركم؟
أما آن للغافلين أن يعودوا إلى ربهم؟
#أَلَمْ يَأْنِ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِ؟ فاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الْأَعْلَى: ١٤-١٥].
وَيَقُولُ: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾[الْمُؤْمِنُونَ: ١- ٢].
#أَلَمْ يَأْنِ لِمَانِعِ الزَّكَاةِ أَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، وَيُخْرِجَ حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ؟: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الْمَعَارِجِ: ٢٤-٢٥]،حَتَّى لَا يَحِقَّ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التَّوْبَةِ: ٣٤-٣٥].
#أَلَمْ يَأْنِ لِلذين يرتكبون الكبائر أَنْ يُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الشَّنْعَاءِ بعد أن استشرت في الآونة الأخيرة؟ فاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾[الْإِسْرَاءِ: ٣٢].
#أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أَنْ يُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الْخَبِيثَةِ حَتَّى لَا يَقَعُوا تَحْتَ طَائِلَةِ الْعِقَابِ؛ فالرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنَّهُ لا يربو لحمٌ نبتَ من سحتٍ إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ. الترمذي.
#أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ يَغْتَابُونَ النَّاسَ، وَيَأْكُلُونَ مِنْ لُحُومِهِمْ، أَنْ يَصُونُوا أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ الْغِيبَةِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضُوا لِعِقَابِ اللَّهِ، فَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الْحُجُرَاتِ: ١٢].
#أَلَمْ يَأْنِ لِلنَّمَّامِ أَنْ يَتُوبَ عَنِ النَّمِيمَةِ، وَالْوَقِيعَةِ بَيْنَ النَّاسِ؟﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٩١]؛ فَإِشْعَالُ نَارِ الْفِتْنَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ.
#أَلَمْ يَعْلَمِ النَّمَّامُ مَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ؟ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ؛ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا هَذَا؛ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا؛ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَيْضًا: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ: الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى سَمَّى النَّمَّامَ فَاسِقًا: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الْحُجُرَاتِ: ٦].
# سيدنا أبو بكر الصديق سمع أناسا دخلوا الإسلام من جديد وسمعوا هذه الآية ، فذرفت عيونهم بالدموع، فقال الصِّدِّيق رضي الله عنه هكذا كنا حتى قست القلوب..رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة.
#انظروا من يقول هذا، إنه الصِّدِّيق الذي كان كما قالت ابنته عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال لها وهو في مرضه الأخير: مُرُوا أبا بكر فليُصلِّ بالناس. فقالت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك، لم يُسمِع الناس من كثرة البكاء.
# اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يارب العالمين