المحافظة على الأدعية والأذكار الشرعية

إن السنة النبوية وحي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، فهي ربانية المصدر، نبوية المقال، ليست بعيدة عن حياة الناس، بل اعتنت بها أيما عناية، فلا تصف الدواء الناجح لكل الأدواء فحسب، بل وتحذر من الداء قبل وقوعه، فإذا التزم المسلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم نجا من الداء، وقديمًا قالوا: إن الوقاية خير من العلاج، وهذا صحيح؛ لأن الإنسان إذا كان حريصًا على صحته العامة، قائمًا على اتباع الهدي النبوي في ذلك، فإنه بإذن الله تعالى سيحفظ صحته مما يوهنها ويضعفها بإذن الله تعالى، وبالتالي يستطيع مواكبة الحياة بكل أريحية وسعادة؛ لأنه معافى في صحته وقوته؛ فعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ رضى الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»([1]).

ومن هذه التعليمات النبوية التي تكون سببًا بإذن الله تعالى في الطب الوقائي من الأمراض والأوبئة:

1_ المحافظة على الأدعية والأذكار الشرعية.

فالدعاء حصن حصين، أمرنا الله تعالى به، وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يحب عبده اللحوح، فلا يرد القدر إلا الدعاء، وعلى العبد أن يلجأ إلى الله تعالى ويستعيذ به من الأمراض والأوبئة، وهذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فعَنْ أَنَسٍ  أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ»([2]) .

البرص: هو انسداد المسام، وانحباس الدم فيتولد عنه ذلك، والجنون: زوال العقل، والجذام: علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء، وهيئتها وربما انتهى إلى أكل الأعضاء، وسقوطها عن تقرح([3]).

واستعاذ صلى الله عليه وسلم منها؛ لأنها عاهات تفسد الخلقة وتبقي الشين، وبعضها يؤثر في العقل، وليست كسائر الأمراض التي إنما هي أعراض لا تدوم كالحمى والصداع وسائر الأمراض التي لا تجري مجرى العاهات وإنما هي كفارات وليست بعقوبات([4]).

ولم يستعذ صلى الله عليه وسلم بالله من سائر الأسقام؛ لأن منها ما خفت مئونته وعظم أجر الصبر عليه كالحمى والصداع والرمد، بل استعاذ من الأمراض المزمنة التي تنتهي بصاحبها إلى حالة يفر منها الحميم ويقل دونها المؤانس والمداوى، مع ما يورث من الشين، كالجنون الذي لا يأمن صاحبه القتل، ومنها البرص والجذام، وهما العلتان المزمنتان مع ما فيهما من القذارة والبشاعة، وتغيير الصورة، وقد اتفقوا علي أنهما معديان إلي الغير([5]).

والسر في التنصيص على تلك الثلاثة مع دخولها في الأسقام؛ لكونها أبغض شيء إلى العرب، ولهم عنها نفرة عظيمة، ولهذا عدوا من شروط الرسالة السلامة من كل ما ينفر الخلق ويشوه الخلق([6]).

وكان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعوذ الحسن والحسين من الشياطين والهوام والحسد؛ ففي الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: ” إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ ” ([7]) .

والهامة: إحدى الهوام وذوات السموم كالحية والعقرب ونحوهما، وقوله: عين لامة أي ذات لمم ونصب، وكان الإمام أحمد يستدل بقوله بكلمات الله التامة على أن القرآن غير مخلوق وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق، وما من كلام مخلوق إلاّ وفيه نقص، والموصوف منه بالتمام هو غير المخلوق وهو كلام الله سبحانه([8]).

فالله سبحانه يخلُق عند نَظَر المُعاين إليه ما شاء من ألمٍ أو هَلكةٍ، وقد يصرفه دون سببٍ، وقد يصرفه قبل وقوعه بالاستعاذة، وبعدَ وُقوعِه بالاغتسال([9]).

وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة إلى قراءة المعوذتين والإخلاص؛ لأنها تكفي قائلها من كل شيء؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ ا قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» ([10]).

وجاء في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ‍‍، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّكَ»([11]).

فعلى المسلم أن يحافظ على الأذكار الشرعية؛ فهي الدواء الطبيعي الذي يمنع وقوع أسباب الداء قبل وقوعه، ويمنع من تأثيره تأثيرا بالغا إن حصل بإذن الله، وذلك بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه، فالرقى تستعمل لحفظ الصحة، ولإزالة المرض([12]).

 وللحديث بقية نقية بإذن الله تعالى
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

 

([1])  رواه الترمذي في جامعه: كتاب أبواب الزهد باب…(4/574) ح 2346، وابن ماجه في سننه: كتاب الزهد باب القناعة (2/1387) ح 4141، كلاهما من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي شُمَيْلَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ …

([2])  رواه أبو داود في سننه: كتاب أبواب تفريع أبواب الوتر بَابٌ فِي الِاسْتِعَاذَةِ (2/93)ح1554، وأحمد في مسنده (20/309)ح 13004، وابن أبي شيبة في مصنفه: كتاب الدعاء باب جامع الدعاء (6/18)ح 29129، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (5/277)ح 2897، وابن حبان في صحيحه: كتاب الإستعاذة باب ذِكْر مَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا مِنْ حُدُوثِ الْعَاهَاتِ بِهِ (3/295)ح 1017، كلهم من طريق قَتَادَة، عَنْ أَنَسٍ به. وإسناده صحيح.

([3])  دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/290).

([4])  معالم السنن (1/297).

([5])   ينظر: الكاشف عن حقائق السنن (6/1918) بتصرف.

([6])   فيض القدير (2/150).

([7])   رواه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء باب …(4/147) ح 3371.

([8])   ينظر: معالم السنن (4/333،332).

([9])   ينظر: المسالك في شرح موطأ مالك (7/436).

([10]) رواه أبو داود في سننه: كتاب أبواب النوم بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ (4/321) ح 5082، والترمذي في جامعه: كتاب أبواب الدعوات باب… (5/567) ح 3575 وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، والكسيّ في المنتخب من حديث عبد بن حميد (1/178) ح 409، والبيهقي في الدعوات الكبير (1/101) ح 45، كلهم من طريق ابْن أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ أَبِي أَسِيدٍ الْبَرَّادِ، عَنْ مُعَاذِ، وإسناده حسن؛ به ابن أبي فديك، وأسِيْدُ بن أبي أَسِيدٍ، صدوقان.

([11])  رواه مسلم في الصحيح: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار بَابٌ فِي التَّعَوُّذِ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَغَيْرِهِ (4/2081) ح2709.

([12])  ينظر: الطب النبوي لابن القيم (1/135) بتصرف.