الطائفة الوهابية : قراءة نقدية في النشأة والمنهج والآثار

بقلم الشيخ : نور عبدالبديع حمودة الأزهرى الشافعي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

تمهيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ ﷺ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

ابتُليت الأمة الإسلامية عبر تاريخها بظهور تياراتٍ فكريةٍ متشددة، رفعت شعاراتٍ براقة، لكنها في واقع الأمر أفضت إلى تفريق الصف، وتمزيق وحدة المسلمين، وإشاعة ثقافة الإقصاء والتكفير. ومن أبرز هذه التيارات في التاريخ الحديث ما عُرف بـ الطائفة الوهابية، التي قدّمت نفسها على أنها الممثّل الحصري للتوحيد والسنة، بينما خالف منهجها ما استقر عليه عمل جمهور علماء أهل السنة والجماعة عبر القرون.

ويهدف هذا المقال إلى تقديم معالجة علمية هادئة لهذا التيار، من حيث تعريفه، وأصوله المنهجية، وأبرز مآلاته الفكرية والعملية، مع بيان موقف أهل السنة والجماعة منه، تحصينًا للفكر الإسلامي من الغلو والانحراف.

تعريف الطائفة الوهابية

السلفية الوهابية – أو ما يُسمّي أتباعها أنفسهم بـ«أنصار السنة المحمدية» – جماعةٌ من المنتسبين إلى الإسلام، اتخذت مسارًا فكريًّا يقوم على تضييق مفهوم أهل السنة، وتقسيم الأمة إلى ثنائيةٍ حادّة: إمّا مسلمٌ موحّد على طريقتهم، وإمّا كافرٌ مشرك، أو مبتدعٌ ضال.

وقد رفعت هذه الجماعة شعار محاربة البدع، غير أن أصل منهجها – كما قرّره نقّادها من العلماء – قام على بدعٍ خطيرة، في مقدّمتها: التوسّع في التكفير والتبديع بغير ضوابط معتبرة، وما ترتّب على ذلك من تشبيهٍ وتجسيم، وابتداع تقسيمٍ للتوحيد لم يكن بهذا الاعتبار ميزانًا للحكم على المسلمين عند السلف الصالح.

الأصول المنهجية للفكر الوهابي

يقوم المنهج الوهابي على جملة من الأصول، من أبرزها:

* الاعتماد على الفهم القاصر لظواهر النصوص من الكتاب والسنة، دون الرجوع إلى شروح العلماء المحقّقين من السلف والخلف، ولا إلى المناهج العلمية الراسخة التي قامت عليها علوم الحديث والفقه وأصوله عبر القرون.

* إهمال الأسانيد العلمية والتراكم المعرفي الذي حفظ للأمة دينها، واستبدال ذلك بفهمٍ فرديٍّ مجتزأ، يُنزَّل على الواقع بلا فقهٍ للمقاصد ولا اعتبارٍ للخلاف المعتبر.

* التوسّع المفرط في التكفير والتبديع، على نحوٍ لم يُعرف في تاريخ المسلمين، حتى شمل عامة المسلمين، بل علماءهم وأئمتهم، بدعوى الوقوع في الشرك أو البدعة.

التكفير والتبديع… أخطر البدع

يُعدّ تكفير المسلمين أخطر بدعةٍ طرأت على تاريخ الأمة، لما يترتّب عليه من استباحة الدماء، وهتك الأعراض، وتمزيق وحدة الصف. وقد حذّر النبي ﷺ من هذا المسلك، وقرّر أهل السنة أن التكفير حكمٌ شرعيٌّ بالغ الخطورة، لا يجوز الإقدام عليه إلا بدليلٍ قطعي، وبعد إقامة الحجة وانتفاء الشبهة.

غير أن المنهج الوهابي جعل التكفير والتبديع أداةً مركزية في الحكم على المخالفين، حتى غدا الاختلاف في مسائل اجتهادية أو خلافية سببًا للتفسيق أو الاتهام بالشرك.

النشأة التاريخية والممارسات العملية

بدأت الوهابية مسيرتها التاريخية بأعمالٍ عنيفة، كان من أوائلها الهجوم على أهل الطائف، ووقوع مذبحة قُتل فيها عددٌ من علماء أهل السنة والجماعة. وقد اقترن انتشار هذا الفكر منذ بداياته بالقوة السياسية والسلاح، لا بالحجة العلمية وحدها.

كما حظيت الوهابية بدعمٍ سياسيٍّ مبكّر من قوى استعمارية، ثم تتابعت عليها تمويلاتٌ ضخمة، استُخدمت في نشر فكرٍ أسهم في تفتيت وحدة المسلمين، وصرفهم عن قضاياهم المصيرية إلى صراعاتٍ داخلية تحت شعارات «البدعة» و«الردة».

الوهابية وحركات العنف المعاصرة

أفرز الفكر الوهابي – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – جماعات الغلوّ والتطرّف المعاصرة، مثل تنظيم القاعدة وداعش وسواها من فرق العنف، التي استندت إلى نفس المنطلقات التكفيرية، وطبّقتها بأقصى صورها دموية، مما أدّى إلى تشويه صورة الإسلام، وخدمة أعدائه، وتنفيذ مخططات تستهدف استقرار المجتمعات الإسلامية.

الموقف من الأولياء وآل البيت وزيارة القبور

يتّسم المنهج الوهابي بنفورٍ شديد من أولياء الله الصالحين، وموقفٍ سلبيٍّ من آل بيت النبي ﷺ، كما يُشدّد في إنكار زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ويعتبرها من مظاهر الشرك وعبادة الأوثان، في مخالفةٍ صريحة لما عليه جمهور الأمة، وما تواتر من عمل المسلمين عبر العصور.

تقسيم التوحيد وموقف العلماء منه

ابتدعت الوهابية تقسيمًا خاصًّا للتوحيد، وجعلته ميزانًا للحكم على الناس بالإيمان أو الشرك، وقد أنكر هذا المسلكَ كبارُ العلماء، وبيّنوا أنه تقسيمٌ تعليميٌّ لا يصح جعله أداةَ تكفيرٍ ولا تبديع، وأنه مخالفٌ لطريق السلف الصالح في فهم التوحيد فهمًا جامعًا متكاملًا.

الوهابية والخوارج… تشابه المنهج والمآلات

لذلك قرّر كثيرٌ من أهل العلم أن الوهابية السلفية تشبه الخوارج في الفكر والمنهج، من حيث الغلو في التكفير، واستباحة الدماء، وتضييق دائرة أهل السنة، فضلًا عن وقوعها في التشبيه والتجسيم في باب الاعتقاد، والعياذ بالله.

خاتمة

إنّ حفظ وحدة الأمة، وصيانة عقيدتها من الغلو والانحراف، يقتضيان التمسّك بمنهج أهل السنة والجماعة، القائم على الوسطية، واحترام التراث العلمي، وضبط الخلاف بضوابطه الشرعية. كما يوجب ذلك التصدي للفكر المتطرف بالعلم والحكمة، وبيان الحق دون إفراطٍ ولا تفريط، حتى يبقى الإسلام كما أراده الله: دينَ رحمةٍ وعدلٍ وهدايةٍ للعالمين.

والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.