رجاحة عقل المرأة … بين اللطائف والعبر والحِكَمِ
						
	
		
	30 أكتوبر، 2025	
	بستان الصحابة
	
	
			
				
					
					
					

بقلم : أ . د : السيد أحمد أحمد سحلول
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في كلية أصول الدين والدعوة في المنصورة
وعضو لجنة المحكمين لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين
المرأة على مر التاريخ لها مواقف عديدة تشهد برجاحة عقلها وحسن تصرفها في الأمور العظام والمصيرية، والنماذج في ذلك متعددة ،
ومن تلك النماذج الصحابية الجليلة أم سليم بنت ملحان ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ لما مات طفلها وزوجها على سفر فغسلته وكفنته ودفنته ، ولما جاء زوجها من سفره لم تخبره إلا في صباح اليوم التالي ، وقد سطرت السنة النبوية موقفها هذا كشاهد عيان على رجاحة عقلها حتى يكون نبراسًا للمرأة على مر التاريخ .
عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه  قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لأَبِى طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ لأَهْلِهَا: لاَ تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ – قَالَ – فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ – فَقَالَ – ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ فَوَقَعَ بِهَا فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ، وَأَصَابَ مِنْهَا قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ قَالَ: لاَ. قَالَتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ. قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَرَكْتِنِى حَتَّى تَلَطَّخْتُ ، ثُمَّ أَخْبَرْتِنِى بِابْنِى. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِى غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا ».
قَالَ: فَحَمَلَتْ – قَالَ – فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ وَهِىَ مَعَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لاَ يَطْرُقُهَا طُرُوقًا، فَدَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ ، فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – قَالَ – يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ إِنَّهُ يُعْجِبُنِى أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ، وَقَدِ احْتُبِسْتُ بِمَا تَرَى – قَالَ – تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ : يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا أَجِدُ الَّذِى كُنْتُ أَجِدُ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا – قَالَ – وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلَدَتْ غُلاَمًا فَقَالَتْ لِى أُمِّى: يَا أَنَسُ لاَ يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ،فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – قَالَ – فَصَادَفْتُهُ، وَمَعَهُ مِيسَمٌ ، فَلَمَّا رَآنِى قَالَ: « لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ ». قُلْتُ: نَعَمْ. فَوَضَعَ الْمِيسَمَ – قَالَ – وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِى حَجْرِهِ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلاَكَهَا فِى فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا فِى فِى الصَّبِىِّ فَجَعَلَ الصَّبِىُّ يَتَلَمَّظُهَا( ) – قَالَ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ ». قَالَ: فَمَسَحَ وَجْهَهُ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّه
ومن لطائف هذا الموقف :
1-ضرب أم سليم ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ لمثل العارية دليل لكمال علمها وفضلها وعظم إيمانها وطمأنينتها .
2-الغلام الذي توفي هو أبو عمير رضى الله عنه صاحب النغير.
3-الحكمة في وسم الحيوان : تمييزه ، وليرده من أخذه ومن التقطه ، وليعرفه صاحبه فلا يشتريه إذا تصدق بها مثلا لئلا يعود في صدقته .
4-نقل ابن الصباغ من الشافعية إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على أنه يكتب في ميسم الزكاة ” زكاة ” أو ” صدقة “.
ومن العبر والحكم الواردة في هذا الموقف :
1-استجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فحملت أم سليم بعبد الله بن أبي طلحة في تلك الليلة وجاء من ولده عشرة رجال علماء أخيار
2-كرامة ظاهرة لأبي طلحة رضى الله عنه  ، وفضائل لأم سليم ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ .
3-عظيم صبر أم سليم ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ وحسن رضاها بقضاء الله تعالى وجزالة عقلها فى اخفائها موته على أبيه فى أول الليل ليبيت مستريحا بلا حزن ثم عشته وتعشت ثم تصنعت له وعرضت له بإصابته فأصابها .
4-استعمال المعاريض عند الحاجة لقولها في رواية مسلم في الآداب ” هُوَ 
أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ ” فإنه كلام صحيح مع أن المفهوم منه أنه قد هان مرضه وسهل وهو في الحياة وشرط المعاريض المباحة أن لا يضيع بها حق أحد.
5- استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر، فإن تعذر فما فى معناه وقريب منه من الحلو فيمضغ المحنك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفة .
6-يستحب أن يكون المحنك من الصالحين وممن يتبرك به رجلا كان أو امرأة فإن لم يكن حاضرًا عند المولود حمل إليه .”
7-يجوز تسمية المولود في يوم ولادته
8-استحباب التسمية بعبد الله
9-كراهة الطروق للقادم من سفر إذا لم يعلم أهله بقدومه قبل ذلك
10-جواز وسم الحيوان بالكي، قال قوم من الشافعية: الكي مستحب في نعم الزكاة والجزية وجائز في غيرها والمستحب أن يسم الغنم في آذانها والإبل والبقر في أصول أفخاذها، وفي رواية لأحمد وابن ماجه: يسم الغنم في آذانها ووسم الآدمي حرام وغير الآدمي في الوجه منهي عنه
11- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ،ووسمه بيده .
12-قال الْمُهَلَّبُ وغيره : في هذا الحديث أن للإمام أن يتخذ ميسما وليس للناس أن يتخذوا نظيره ، وهو كالخاتم
13-اعتناء الإمام بأموال الصدقة وتوليها بنفسه ، ويلتحق به جميع أمور المسلمين . 
14-جواز إيلام الحيوان للحاجة .
15-جواز تأخير القسمة؛ لأنها لو عجلت لاستغني عن الوسم .
16- مباشرة أعمال المهنة وترك الاستنابة فيها للرغبة في زيادة الأجر ونفي الكبر .
17-استحباب الدعاء بالبركة للزوجين .
18-لا يخبر المسافر ولا القادم من سفر بأمر يحزنه حتى يستريح من عناء السفر .
19-جواز إخفاء معالم الحزن .
20-رسالة لزوجات المسلمين بعدم التسرع بإخبار أزواجهم بما يحزنهم .
21-الزوجة الصالحة تدخل السرور على زوجها في أشد أحزانها .