حي على الفلاح
16 أكتوبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الأستاذ الدكتور : مجدي إبراهيم
أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف جامعة أسوان
هل جرّبت موت اللحظة؟
اللحظة جزء من الوقت، والوقت موقوت بزمن إذا انقضى أبداً لا يعود. ومواقيت الصلاة موقوتة بزمن إذا انقضت ولم تقضها في وقتها مات زمانها فيك، ماتت اللحظة التي كانت عساها تحييك.
زمن الصلاة ميقات معلوم، إذا قدّم أو أخر ماتت اللحظة التي فيها حياة للروح الذاكرة جديدة، وسلب عن المرء أعز ما يملأ كيانه كله : وقت الصلاة، والعروج بالروح إلى الملأ الأعلى. أتدرون ما الفلاح الذي تسمعونه في نداء المؤذن في كل آذان (حي على الفلاح) .. ما هو؟
هو تجلي الاسم الإلهي الخاص بالوقت بحضور الإن فمة؛ فإذا فات الوقت أو تأخرت الصلاة، لم يحصل المصلي على “الفلاح” الذي ينتظره من تجلي الاسم الإلهي عليه فيما لو سبق فور النداء.
ليس الموضوع سهلاً، بل عميق جداً فوق التصور وأسمى من الخيال، ولعمقه دلالة من تشريع الصلاة. خذ مثلاً ما قاله الإمام صالح الجعفري أحد العرفاء المعاصرين عن الصلاة : إذا اشتد عليك حال فتوضأ وصل، واذا قمت الى الصلاة، فصل وأنت توقن أن الله يراك. وهذا هو مقام الإحسان الذى قال فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه؛ فإنه يراك) فهل وقفت يوماً لتصلى وتذكرت الله، وأن الله تعالى ينظر إليك؟
إنْ الصلاة لها فوائد، ولها ميازيب تتنزل منها الأسرار، والميازيب لها مفاتيح؛ فإن فعلت ذلك، يأتيك المدد من نظر الله لك؛ فنظرة الله تعالى إليك عظيمة، وكل شئ له حلاوة وعلاوة؛ فحضور قلبك فى الصلاة وتذكرك أنك فى معيّة الله تنال بسببه جزاءً عظيماً من الله تعالى.
فعلى المُصلي أن يعتقد أنه إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم أن الله يسمعها قبل أن يسمعها هو من نفسه، واذا كانت لك حاجة تطلبها أو شكوى تبثها فيجب عليك أن تعتقد أنه سبحانه وتعالى يعلمها قبل أن تنطق بها. فإذا كنت تصلى بهذه الكيفية فأعلم أن هذا عطاء لا يقدر أحد أن يأتي بمثله، ولكنه يجئ بمحض فضل الله).
والفرق واضح جليٌّ بين كلمات هذا العارف بالله، وكلمات غيره من ذوي النقل والحرف والعنوان: أن الأول صادر عن تجربة ومعايشة، وللكلام فيه قوة وتأثير، له صورة نورانية نتيجة ممارسة العلم قلما تجدها في كلام آخر منقول لك مجرد نقل لا روح فيه ولا حياة. هذا رجل جرّب فنقل لك تجربته بالتعبير، ومنها تحدث فكان لحديثه وقع مختلف، وعانى فظهرت معاناته في كلماته وعليها خِلَع الحضور. أمّا الآخر؛ فلفظ برَّانيٌّ ما جاوز الأشداق