القطب اللامع والولي الصالح سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه


بقلم الشيخ : نور عبدالبديع حسين حمودة الأزهرى الشافعي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

هو الإمام الرباني، والعبد الصالح، سيدي أحمد بن علي البدوي، المشتهر بـ البدوي والملثَّم، وكنيتُه أبو الفتيان وأبو فراج، من كبار أولياء الله الصالحين، وأعلام التربية والتزكية في تاريخ الأمة الإسلامية.

ينتهي نسبه – باتفاق المؤرخين – إلى سبط النبي ﷺ الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما، وُلد بمدينة فاس بالمغرب الأقصى، ورحل بين بلاد الحجاز والعراق حتى استقرَّ به المقام في طنطا بمصر، حيث توفاه الله سنة 675هـ، فصار ضريحه الشريف مهوى أفئدة الصالحين وطلاب القرب من رب العالمين.

علمٌ وعملٌ وتربيةٌ ربانية

حفظ القرآن الكريم بالقراءات، وتفقَّه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وأنشأ مدرسته الشهيرة على سطح داره، ربَّى فيها الآلاف من المريدين على منهجٍ يجمع بين العلم والعمل والتزكية، فكانوا مناراتٍ للهدى في شتى البلاد، يحملون نور الإيمان والرحمة إلى الناس.

هل كان شيعيًّا كما يزعم البعض؟

لم يكن السيد أحمد البدوي شيعيًّا كما يزعم بعض المغرضين، بل كان إمامًا صوفيًّا سنّيًّا خالص العقيدة، من كبار أئمة أهل السنة والجماعة، مشهودًا له بالصلاح والاستقامة.
ينتسب نسبًا شريفًا إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما من جهة والده، وسار على نهج جده المصطفى ﷺ في الزهد والعبادة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

ومسجده العامر في طنطا يُعدّ منارةً للسنة وقلعةً من قلاع الأزهر الشريف، تخرّج منه العلماء والدعاة والقراء الذين نشروا نور العلم في أرجاء مصر والعالم الإسلامي.
ولو كان كما يزعم أعداؤه من أهل الأهواء، لكانت طنطا مركزًا للتشيع، لكنها بقيت – بفضل الله ثم ببركة أهلها وعلمائها – حصنًا من حصون منهج أهل السنة والجماعة، ومهوى أفئدة المحبين للحق والاعتدال.

هل كان جاسوسًا كما يشوّه البعض؟

كلا، لم يكن السيد أحمد البدوي جاسوسًا كما يروّج بعض المشككين، وإنما هو إمامٌ صوفيٌّ سنّيٌّ عظيم، وعَلَمٌ من أعلام الزهد والولاية، نذر حياته للعبادة والدعوة إلى الله تعالى. وما يُثار حوله من افتراءات لا تعدو كونها شائعات باطلة نُسجت من خيوط الوهم والمصادر المشبوهة.

ومن وجوه دحض هذه الفرية:

. ولادته بعد سقوط الدولة الفاطمية:
وُلد السيد البدوي بعد زوال الدولة الفاطمية بسنوات، فكيف يُتَّهم بالتجسس لحساب دولة لم يكن لها وجود في زمانه؟! إن هذا الزعم لا يقبله عقل ولا منطق.

. انتماؤه الصريح لأهل السنة والجماعة:
كان البدوي من أشدّ الناس تمسكًا بمذهب أهل السنة، وقد ظهر ذلك في أدعيته وأوراده، إذ يقول:
«اللهم صلِّ على سيدنا محمد عدد حسنات أبي بكر وعمر وعثمان وعلي»،
وفي هذا ثناء صريح على الخلفاء الراشدين، الذين يجِلّهم أهل السنة، بخلاف ما عليه أهل البدع.

.شهادة العلماء الثقات:
أجمع العلماء المنصفون – كالإمام الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق، والإمام محمد متولي الشعراوي – على أنه من كبار أئمة السنة وأولياء الله الصالحين، وأن كل ما نُسب إليه من تهم لا أصل له في كتب التاريخ الموثوقة.

أصل الشائعة:
يرجّح الباحثون أن أصل هذه الفرية نشأ من بعض الممارسات الشعبية التي ظهرت في المولد بعد قرون من وفاته، فظنّ بعض الجهّال أن تلك الأفعال تُنسب إليه ظلمًا، فحاول خصوم التصوف الطعن فيه بسببها.

ثم أيُّ عقلٍ يرضى بهذا الادعاء؟!
فلمن كان يتجسّس؟ وعلى من؟
لقد عاش السيد البدوي زاهدًا ناسكًا، لم يتزوج، ولم يسعَ إلى مالٍ ولا منصب، بل كان منقطعًا للعبادة فوق سطح داره، في حالٍ من الصفاء والورع قلّ أن يُرى مثله.

ولو كان في أمره ريبة، لما عظّمه حكام مصر في عصره، ولا أوقفوا على مسجده الأوقاف الكثيرة التي لا تزال إلى اليوم تُصرف في وجوه البر والخير، شاهدةً بفضله وعلوّ مقامه.

فالحقّ أن السيد أحمد البدوي وليٌّ صادقٌ من أولياء الله، أكرمه الله بالقبول في الأرض، وبقي ذكره طيبًا في قلوب المؤمنين، رغم حملات التشويه والزيف.

عبادته وجماعته

لم ينقطع عن صلاة الجماعة، بل اتخذ من سطح داره مسجدًا يقيم فيه الصلاة ويؤمُّ مريديه، وكان له إمامان يتناوبان الصلاة بالمريدين، فكانت جماعته عامرة بالذكر والقيام والقرآن.

ردًّا على من يقول: “أين علمه وكتبه؟”

ليس من شرط العالم أن يخلِّف كتبًا، فكم من عالمٍ خلَّف رجالًا هم في أنفسهم مؤلفاته الحيّة!
وهل نعرف للصحابة الكرام كتبًا ألّفوها؟
لقد كانت مدرسة السيد أحمد البدوي، المعروفة بـ مدرسة السطح الأحمدية، منارةً لتربية الرجال ونشر الهدى، حتى قالوا: “تأليف الرجال أعظم من تأليف الكتب.”

وقد ذكر بعض المؤرخين أن له كتابًا في علم المواريث، وأنه كان شاعرًا، عالمًا بالقراءات والفقه الشافعي، غير أن غلبة حال الزهد والجذب عليه صرفته عن التصنيف إلى التربية والتزكية.

بركة ممتدة وعطاء متجدد

عوّضه الله عن ترك التأليف بأن جعل مسجده الشريف قبلةً للعلم والعلماء، حتى بلغ عدد طلابه في عهد علي باشا مبارك قرابة ألفي طالب، وكان يُدرِّس فيه أعلامٌ كبار مثل:
★ابن حجر الهيتمي،
★الحافظ الدِّيمي،
★الشيخ سليمان الجمزوري (صاحب تحفة الأطفال).
وكانت مدرسة طنطا الأحمدية من أصول علم القراءات في مصر، حتى قيل: “القرآن أحمدي، والعلم أزهري.”
ومنها خرج أعلام القراء في العصر الحديث، كالشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ مصطفى إسماعيل رحمهم الله.

★ ذكره العلماء وتواترت سيرته

★ذكره أئمة كبار في مصنفاتهم، منهم:
★ابن الملقن في طبقات الأولياء،
★السيوطي في حسن المحاضرة،
★السخاوي في الضوء اللامع،
★المناوي في طبقات الصوفية،
★الشعراني في الطبقات الكبرى،
★ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب.
ووصفوه جميعًا بـ سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه، إشادةً بزهده وولايته وعلو مقامه.
*إليك أقوال العلماء:-
لقد أثنى العلماء على سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه، وذكروه في كتبهم بتوقيرٍ وتعظيم، مقرّين بزهده وولايته وعلوّ مقامه بين أولياء الله الصالحين، ومن أقوالهم في حقه:

 الإمام ابن الملقّن قال في طبقات الأولياء:
«هو الشيخ العارف بالله، سيدي أحمد بن علي البدوي الحسيني رضي الله عنه، أحد أقطاب الصوفية، كان زاهدًا عابدًا، صاحب أحوالٍ وأسرار، ظهرت له كراماتٌ مشهورة.»

 الإمام جلال الدين السيوطي ذكره في حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة فقال:
«ومن كبار الأولياء المشهورين بمصر: سيدي أحمد البدوي الحسيني، له مقامٌ بطنطا يُزار، وكانت له أحوال عجيبة، وكرامات ظاهرة، واشتهر بالزهد والعبادة.»

 الإمام السخاوي قال في الضوء اللامع لأهل القرن التاسع:
«الشيخ أحمد البدوي الحسيني، أحد الأبدال المشهورين، كانت له حالٌ رفيعة، واتبعه خلقٌ كثير على طريقته.»

 الإمام عبد الرؤوف المناوي قال في طبقات الصوفية:
«الإمام الكبير، العارف بالله تعالى، سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه، كان من كبار أهل الأحوال والمقامات، وله كرامات باهرة، وهو من نسل الحسين بن علي رضي الله عنهما.»

الإمام الشعراني قال في الطبقات الكبرى:
«سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه، إمامٌ جليل من أئمة أهل الطريق، أحد الأقطاب الأربعة، كانت له أنفاسٌ مباركة، وهمةٌ عالية، ونفع الله به خلقًا كثيرًا.»

الإمام ابن العماد الحنبلي قال في شذرات الذهب في أخبار من ذهب:
«وفيها توفي الشيخ أحمد البدوي الحسيني، المشهور بطنطا، وكان من أكابر العباد الصالحين، وظهرت له كراماتٌ عديدة، رضي الله عنه وأرضاه.»
فهؤلاء الأعلام وغيرهم من كبار المؤرخين وأئمة السلوك ذكروا سيدي أحمد البدوي بتعظيمٍ وتبجيل، وعدّوه من أولياء الله العارفين، مما يدلّ على رسوخ مكانته في التاريخ الإسلامي وقلوب المؤمنين.

حكم الصلاة في مسجده

الصلاة في مسجده جائزةٌ باتفاق الفقهاء، إذ وجود القبر في المسجد لا يُبطل الصلاة، كما لم تُبطل الصلاة في مسجد النبي ﷺ لوجود قبره الشريف فيه، ومن زعم التحريم فعليه بالدليل.

عن زيارة مقامه الشريف

زيارة القبور سنةٌ نبوية، وزيارة الصالحين منها أعظم أثرًا في ترقيق القلب وتذكير الآخرة.
أما ما يقع من مخالفاتٍ من بعض الجهال فواجب العلماء إصلاحها وتعليم الناس، لا منع الزيارة ولا الطعن في الأولياء.
فالعامة لا يقصدون عبادة الأولياء، وإنما يرجون بركتهم ودعاءهم الصالح، والنية محلها القلب.

خاتمة

لقد شُوِّهت سيرة هذا الإمام العظيم من بعض الجاهلين والمغرضين، فاختلطت حوله الخرافة بالافتراء، وغاب وجه الحقيقة.

والحقيقة أنه عبدٌ صالح، ووليٌّ من أولياء الله، وقطبٌ من أقطاب الهدى، أحيا الله به القلوب، وأبقى له في قلوب الناس حبًّا وذِكرًا طيبًا إلى يومنا هذا.
رضي الله عن سيدي أحمد البدوي، ونفعنا ببركته، وأحسن ختامنا على محبته ومحبّة الصالحين.