بقلم الأستاذ: مازن أبو الفضل مدرب تنمية بشرية ومهارات
إنَّ من مهارات الحياة المهمة: فقه الناس، أي أن تكون قادرًا على تقييم مَن أمامك، ومعرفته حق المعرفة، وتحديد ما يمكن أن تقدمه له، ورسم شكل العلاقة بينكما.
توجد مشكلة عند كثير من الناس وهي أنهم يتأثرون بالكلام الجذاب أو الخطاب الفصيح البليغ، فيصدقونه لأنه “ظاهريًا” لا يُعاب عليه. الأول الكلام الجذاب المعسول نداءٌ عاطفي، والثاني الفصيح البيِّن نداءٌ عقلي ظاهريًا أيضًا، لأنه في جوهره غالبًا ما يحمل الكثير من المغالطات.
سبب هذه المشكلة هو ضعف أو سطحية التجربة الحياتية لدى الناس، وعيشهم على التعلم بالتجربة بدلًا من العلم والمعرفة.
القرآن الكريم، في توجيهاته الاجتماعية، يُنبِّه الناس إلى هذا الأمر، وهو ألا ينبهروا بالكلام “الحَسَن المظهر” أو العاطفي، لأنه غالبًا ما سيُستخدمك فيما يُضل الناس ويُفسدهم، وليس في تحقيق الخير العام.
مثل الأغاني مثلاً، نشغلها من أجل الاستمتاع والراحة، لكنها في النهاية تُفسد نفوسنا وبيوتنا يقول الله في كتابه العزيز:
بسم الله الرحمن الرحيم “وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا” فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد”[سورة البقرة]
أيضاً في موضع آخر يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ” وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا “وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة لقمان]
وهذا لا يعني أن أكون غليظًا في التعامل مع الناس، فالإحسان واللطف مطلوبان، يقول رب العزة:
بسم الله الرحمن الرحيم “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [سورة آل عمران]
ولكن الخطأ يكمن في استخدامهما لإضلال الناس بدلًا من نفعهم، وفي أن أُسلِّم عقلي وقلبي لأي شخص يتحدث بكلام “حَسَن المظهر”، لأن الميزان ليس في كلام الناس بل في أفعالهم وعقائدهم.
أيضاً وضح القرآن انه كما هناك أئمة خير فهناك أيضاً أئمة باطل، وكلاهما يسعى لهم الناس لقيادتهم نحو تحقيق أهدافهم، لكن المائز في النية والتوجه وحقيقة الأهداف نفسها.
قِسْ هذا أيضاً على مجال الإدارة ومديرك الذي يُداريك (يُعالجك بلطف ظاهرٍ لتحقيق مآربه)، أو حكومتك التي تمنحك تصريحًا يُسكِّنك ويُشعرك بنشوة وطنية، أو شريك حياتك الذي كلما ضاق به الأمر أذرف دمعتين ليجعلك تفعل ما يريد، أو أهلك الذين يُفسدون عليك حياتك بمبدأ: “لا أحد سيخاف على مصلحتك مثلنا”، أو رجل الدين الذي يريدك أن تلتحق بمذهبه الباطل.
واعلم أن الحق فيما تَرَوْنَ لا فيما تَسْمَعُونَ.
وكما قلنا هناك أئمة خير وأئمة باطل، وواجبنا كقيادة مجتمعية إستخدام الأساليب الممكنه الشريفه لمخاطبة عقول وقلوب الناس لقيادتهم نحو تحقيق أفضل ما يمكن أن يكونوه