السماء والبحر.. تأملات في علاقة الدين بالسياسة مقدمة [ سلسلة الدين والسياسة السماء الصافية والبحر العميق قدمة

بقلم الدكتور: حاتم عبد المنعم أستاذ علم الاجتماع البيئى بجامعة عين شمس 


سلسلة الدين والسياسة السماء الصافية والبحر العميق:

الدين والسياسة السماء الصافية والبحر العميق قضية في غاية الأهمية بل هي من أهم وأخطر القضايا على الإطلاق خاصة في الوطن العربي والعالم الإسلامي ودورها رئيسي وأساسي في قضايا التخلف والتنمية والتبعية والاستقلال وبالرغم من ذلك لم تحظَ بالاهتمام الكافي من الباحثين والكتاب والعلماء بوجه عام، ربما لحساسية القضية والخوض فيها قد يعرض صاحبها لكثير من الاتهامات من كلا الطرفين الديني والسياسي ولكن لأهمية وخطورة وتداعيات هذه القضية كانت فكرة هذا الكتاب لفتح باب الحوار والنقاش والرأي والرأي الآخر للوصول رأى مجتمعي قادر على الاستفادة من تجارب الماضي المؤلمة من اجل مستقبل وحياة أفضل لامتنا العربية وعالمنا الإسلامي وحتى لا تكون وسيلة أو نقطة ضعف يستغلها أعداء الامة لمصالحهم الخاصة لان هذه القضية تعتبر من وجهة نظري السبب الأساسي للتخلف والانقسام الحالي في وطنا العربي بالرغم من أن المشكلة قديمة وجذورها قديمة ترجع للماضي البعيد.

وهى ترجع لأهمية كل من رجل الدين ورجل السياسة والدور الهام لكل منهما في حياة ومصير ومستقبل الشعوب ولذلك يلجأ كثير من الحكام للاستعانة برجال الدين لكسب ثقة شعوبهم وتبرير سياساتهم او تجاوزاتهم او على الأقل لكسب دعمهم وتأييدهم وهناك نماذج عديدة لذلك فمثلا في مصر الفرعونية او الحضارة المصرية القديمة كان الحاكم يستعين برجال الدين لكسب تأييدهم لقوة تأثير رجل الدين على المجتمع فهذه صفات بشرية موجودة في كل المجتمعات والعصور وعادة ما تستخدم من قبل الحاكم سواء كان صالح بغية تفعيل الإنجازات والتنمية او كان الحاكم غير صالح بغية تبرير الفساد والظلم وفى الغرب نماذج عديدة لدور الكنيسة السياسي .

وعلى سبيل المثال لعبت الكنيسة دورا أساسيا في دعم موسوليني في إيطاليا وتبرير جرائمه بالرغم من أن موسوليني ملحد وكان من دعاة إغلاق الكنائس، ومع ذلك أيَّدتهُ الكنيسة. والتاريخ العربي القديم والحديث به نماذج متعددة منذ الفتنة الكبرى في التاريخ الإسلامي إلى العصر الحديث منها على سبيل المثال تجربة محمد على الذي استعان برجال الدين وظهر للناس أنه يحكم باسم الدين ثم قام بالتخلص من رجال الدين. وغير في نظام وقانون الأزهر وغير محمد علي نماذج متعددة أعلن بعض الحكام صراحة أنهم استعانوا برجال الدين بناء على رغبة أصدقائهم في الغرب لأهداف ومصالح سياسية وليست دينية.
وهنا أمامنا مجموعة كبيرة من استخدام الدين لأغراض سياسية ومن ثم بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول بعض المواقف السياسية أو بعض الجماعات أو الأشخاص أو القيادات والنظم فمن المؤكد والثابت عبر التصريحات المنشورة أو الوثائق التي يفرج عنها في الغرب أن هناك كثير من القيادات السياسية استعانت بالدين ورجاله لتدعيم سياساتهم وكسب التايد الشعبي بغض النظر عن التفاصيل والنوايا. وأيضا من المسلم به أن بعض رجال الدين استعان أو لجاء بنفسه لرجال الحكم والسياسة وشارك في دعمهم وبعض رجال الدين شارك في هذه الأنشطة والأنظمة السياسية بغض النظر عن النوايا التي لا يعلمها الا الله والنماذج كثيرة شرقا وغربا قديما وحديثا سواء عن علم أو عن جهل بحقيقة الأهداف وبمن المستفيد من هذه المشاركات للرجال الدين في السياسة.

ومما يزيد المشكلة تعقيدا أن كل من العلوم الدينية والسياسية علوم مركبة وصعبة وتزداد الصعوبة في العلوم السياسية لأنها كالبحر العميق وما خفي منها عادة اكبر واخطر من الظاهر مع تعقد وتشابك المصالح وتزداد المشكلة مع انتشار الأميَّةِ الفعلية والثقافية وغياب المعرفة الموسوعية والنظرة الشاملة للأمور حتى بين بعض المتعلمين وخاصة و أن وطنا العربي يتعرض لكثير من المؤامرات وهناك كثير من الأذرع والأيدي الخفية التي تخطط وتدبر لتدمير الامة في الخفاء وهناك من يساعدها في الداخل سواء بعلم أو بجهل لنشر مخططاتها وتحقيق أهدافها بكافة الوسائل والأساليب سواء الدينية أو الفنية أو المالية أو غيرها ومن ثم فالقضية خطيرة وعميقة وتستحق كثير من الحوار والنقاش المجتمعي وعلى كافة المستويات في وطنا العربي والإسلامي وبالطبع هناك وجهات نظر مختلفة والحقيقة كاملة لا يملكها شخص ولكن هذا الكتاب محاولة متواضعة لإثارة القضية وفتح حوار حولها وطبيعي قد نتفق أونختلف في التفاصيل أو في بعض القضايا ولكن الهدف هو إعادة نظر في كل قضايا هذا الكتاب ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَ أنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ (الأعراف: 89) ربنا ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.