مجازر الوهابيين في الحجاز


اعداد الاستاذ : سيد حسن
المقال الرابع عشر من سلسلة ( الوهابية فكراً وممارسة )
كتاب للدكتور محمد عوض الخطيب

 

بدأ الوهابيون بغزو الحجاز فأطاعت لهم عتبة الحجاز وحرب ثم كاتب أهل الطائف الوهابيين بعد أن شعروا بالخطر.

ولما اقترب التهديد بهذا الشكل تحرك الشريف غالب حاكم مكة للوقوف في وجهه فشن ما بين سنتي ۱۲۰٥هـ و ۱۲۲۰ / ۱۷۹۰ – ١٨٠٥ خمسين غزوة ضد جماعات الوهابيين وجيوشهم. ولكن الأمر آل مرحلياً بين عبد العزيز والشريف غالب الذي خذله عمال الدولة العثمانية في الأقطار المجاورة إلى الصلح في جمادى الأولى سنة۱۲۱۲ هـ /  ۱۷۹۷ م واتفق على تعيين حدود بين الفريقين .

وفي سنة ١٢١٤هـ / ۱۷۹۹م حج سعود بن عبد العزيز وعاد إلى الحج في السنة التالية وتبادل الهدايا مع الشريف غالب ولكن الوهابيون لم يلتزموا طويلا بشروط الصلح فراح يراسل مشايخ الأعراب كشيخ محايل وشيخ بارق وغيرهما ليفسدوا قبائل الحجاز واليمن ويدعوها إلى الوهابية فاكتشف الشريف هذه المحاولات فتصدى لها بشن الغارات التأديبية على الخارجين.

ولكن الوهابيين استطاعوا مع ذلك استمالة بعض المشايخ كعثمان بن عبد الرحمن المضايفي زوج أخت الشريف غالب وتمكنوا بعد معارك كر وفر أن يستولوا على الطائف ، إذ دخلوها عنوة في ذي القعدة سنة ١٢١٧هـ / ١٨٠٢م فقتلوا الناس بدون تمييز بين رجل وامرأة وطفل حتى أنهم كانوا يذبحون الرضيع على صدر أمه. كما قتلوا من وجدوا في المساجد والبيوت ولاحقوا الفارين من المدينة فقتلوا أكثرهم ، وأعطوا الأمان إلى البعض فلما استسلموا ضربوا أعناق فريق منهم وأخرجوا فريقاً إلى أحد الأودية ، واسمه وادي الوج ، فتركوهم مكشوفي العورة ومعهم النساء.

وأخذ الوهابيون تروح وتغدو الى الطائف فتحمل المنهوبات الهائلة التي كانت تخمن ويرسل خمسها إلى الأمير ويقتسمون ما يبقى . كما عبثوا بالمصاحف والكتب الدينية ورموها بعد أن مزقوها في الأزقة . وعمدوا أخيراً إلى حفر جميع بيوت المدينة حتى المراحيض بحثاً عن المال الذي قيل لهم إنه مخبئة في الأرض.

ثم جمع سعود جموعه في موسم الحج على مقربة من مكة وانتظر انصراف الحجيج ، ولما أيقن الشريف غالب أنه لا قبل له بهذه الجموع ، ارتحل الى جدة ، فراسل أخوه عبد المعين سعوداً يطلب منه الأمان . واستقبل سعود رسل عبد المعين فعاهدهم على دين الله (أي الوهابية ) ، وكتب لهم كتاب الأمان.

وفي الثامن من محرم وصل سعود إلى مكة وطاف وخطب بالناس ودعاهم للبيعة وطلب منهم موافاته في اليوم التالي ليعلمهم أصول دينهم .

وفي صباح اليوم التالي توجه الوهابيون إلى المعلى فهدموا ما فيها من القباب كما هدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبة السيدة خديجة وقبة زمزم والقباب التي حول الكعبة وكذلك الأبنية التي تفوق الكعبة علواً ، وهدموا قبة أبي بكر ، وتتبعوا آثار الصالحين جميعاً فهدموها ، وكانوا أثناء عمليات الهدم يضربون الطبول ويشتمون القبور .

وانتقل الوهابيون إلى تنظيم الأذان والصلاة ، فمنعوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الأذان وكذلك الترضي على الصحابة وأحرقوا النارجيلات ومنعوا تدخين التنباك والتبغ ، وأخذوا يدرسون الناس مؤلفات محمد ابن عبد الوهاب .

وكان من نتيجة استيلاء الوهابيين على مكة ومنطقتها أن انفلت حبل الأمن فانتشر السلب والنهب واضطربت السبل ولم يستطيعوا ضبط الوضع بوضع حد لهذا الفلتان .

ثم هاجم الوهابيون جدة، ولكن الشريف غالب صدهم عنها . ثم ارتحلوا عن مكة عندما علموا أن عاصمتهم الدرعية مهددة من العجم كما يقول الجبرتي ، فعاد الشريف غالب إلى مكة من جديد وراح يعمل لاسترجاع الطائف ولكنه فشل .

وفي هذه الأثناء عمد عثمان المضايفي الذي كان قد أصبح أمير الطائف من قبل سعود ، يساعده ابن شکبان إلى مهاجمة هذيل الشام ، فقتلوا وسبوا النساء ، ثم غزوا ( اللفاع ) حيث يقيم أشراف بني عمرو فقتلوا منهم عدداً ونهبوهم ، وسلبوا النساء حتى أنهم جردوهن من الثياب ، فطلبوا الأمان وتوهبوا ، ثم توجه المضايفي وابن شكبان نحو مكة فسلبا ونهبا في طريقهما .

وفي سنة ١٢١٩هـ / ١٨٠٤م هاجم الوهابيون جدة ولكنهما فشلا فتراجعا وقتلا في طريقهما حياً من الأعراب ونهبا إيلا للشريف غالب ، ثم توجه شيخ حرب وابن جبارة من المتوهبين إلى ينبغ فدخلاها بالحيلة وقتلا أهلها ، ولكن الشريف غالباً استخلصها منهما.

ثم حاول الشريف غالب استرجاع الطائف ففشل وعاد إلى مكة ، فتوجه المضايفي وابن شكبان إلى الزيماء ثم إلى (عرفة) حيث أطاعهما بعض الناس فقتلا من لم يطعهما وأسرا وهدما عين زبيدة فشح الماء في مكة . ثم انتقلا إلى وادي مر ينهبون ويقتلون الوافدين إلى مكة مما أدى إلى امتناع أهل الحجاز عن الحج فيما حج أهل الشام ومصر وسائر الناس بعد أن سلكوا طريق جدة.

وشدد الوهابيون الحصار على مكة واشتد الغلاء في المدينة المقدسة فباع الناس ما يملكون بأبخس الأثمان وانعدمت المواد الغذائية فأكل الناس الجلود والسنانير والكلاب وكل حيوان كانوا يحصلون عليه وشربوا الدم ، فدخل الكثير من الأشراف في طاعة الوهابيين ، ولكن الشريف غالباً استطاع أخيراً أن يخرق الحصار بشكل مؤقت.

وفي محرم سنة ۱۲۲٠ هـ / 1805 م وصل الوهابيون إلى أطراف مكة وبدأوا المناوشات التي استمرت وقتاً غير قصير كراً وفراً في مكة وجوارها وراحوا يقتلون الحاج ويأسرون من يمر بهم ، واشتد الغلاء في مكة مرة أخرى وبشكل فاحش لم تشهده من قبل وباع أهلها الأثاث والحلي بعشر قيمته واشتروا حاجاتهم بعشرة أضعاف أثمانها . ومات الكثيرون منهم جوعاً وانتشرت جثث الأطفال في الأزقة وأخذ الناس يهجرون في ظل الخطر الجائم على أطراف المدينة ، فلم يبق فيها إلا القليل بل النادر من الناس.

كل ذلك دفع بالشريف غالب إلى الموافقة على الصلح مع الوهابيين والسماح لهم بالدخول إلى مكة التي بقي حكمها له على أنه يحظر كل ما يحظره الوهابيون الذين منعوا امراء الحج أن يحجوا إلا على شروطهم وأحرقوا المحمل المصري رمز اجتماع الحجيج ، ورفض أمير الحج الشامي شروط الوهابيين وعاد إلى بلاده .

وفي سنة  ١٢٢١ هـ / ١٨٠٦ م دخل الوهابيون المدينة المنورة فمنعوا الناس من زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهدموا القباب التي فيها وفي البقيع ومنها قبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقباب الحسن بن علي وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق (عليهم السلام) وكذلك قبة عثمان بن عفان ، كما هدموا قبة حمزة بن عبد المطلب في جبل أحد ، ولكنهم لم يجرؤوا على هدم قبة النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنهم نهبوا كل ما وجدوه في الحجرة الشريفة من الأموال والجواهر ، فملأوا أربع سحاحير من الجواهر المحلاة بالماس والياقوت العظيمة القدر ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة ماس، ونحو مائة سيف مع قراباتها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها ماس وياقوت ونصابها من الزمرد والبشم ونحو ذلك ونصلها من الحديد الموصوف وعليها أسماء الملوك والخلفاء السابقين ، وقد امتنع الحاج المصري والشامي في سنة ١٢٢٢هـ /١٨٠٧م عن زيارة المدينة المنورة.

وفي سنة ١٢٢٦ هـ / ۱۸۱١ م بدأت الجيوش المصرية تدخل الجزيرة العربية للقضاء على الوهابيين وأكملت احتلالها سنة ١٢٣٤هـ / ۱۸۱۸ م ، ولكن القبضة المصرية ما لبثت أن تراخت لتقوم الدولة السعودية الثانية.