معجزة البعث وعجب الذنب (الجزء الثانى)


المقال الثالث والعشرون من سلسلة (الاعجاز الطبى في القرآن والسنة)
اعداد الاستاذ الدكتور/ عبد الحميد محمد صديق
استشارى الجراحة العامة

ثانياً : عجب الذنب في الإنسان :

بتطبيق ملاحظات العالم سبيمان فى مجال دراسة الجنين البشرى اتضح لعلماء الأجنة عدد من الحقائق التي يمكن إيجازها فيما يلى:

1 ـ تتكون النطفة الأمشاج بمجرد إخصاب النطفة الأنثوية ( البويضة ) بواسطة النطفة الذكرية ( الحيوان المنوي ).

 2 ـ تبدأ النطفة الأمشاج فى الانقسام إلى خلايا تتحول بعد أربعة أيام إلى كتلة كروية من الخلايا تعرف باسم التوتية Monula على هيئة كرة مجوفة لا يزيد قطرها عن ربع المليمتر وتعرف باسم الكرة الأرومية Blastula  وتستغرق هذ المرحلة قرابة الأسبوع الأول من عمر الجنين وفى الليلة الخامسة تنشطر التوتية إلى نصفين مكونة ما يعرف باسم الكيسة الأرومية Blastocyst .

3 ـ في حدود الليلة السابعة تبدأ الكيسة الأرومية فى الانغراس بجدار الرحم بواسطة عدد من الخلايا الرابطة التي تنشأ منها، فتتعلق بواسطتها وبواسطة عدد من الخملات الدقيقة فى جدار الرحم متحولة إلى طور العلقة الذي يستمر لمدة أسبوعين الثاني والثالث من عمر الجنين على هيئة كتلة ضئيلة جداً من اللحم عالقة بجدار الرحم ومحاطة بالدم المتخثر المتجلط، ومن هنا فإن الوصف القرآني علقة هو ابلغ وصف لهذه المرحلة.

وفى حوالى الليلة الخامسة عشر من تاريخ الإخصاب تبدأ حزمة من خلايا الطبقة العليا في الترتيب على هيئة خط طولي يعرف باسم الشريط الابتدائي أو الأولى الذى تتضخم نهايته الأمامية على هيئة تعرف باسم العقدة الأولية أو الابتدائية.

4 ـ في حدود الليلة الحادية والعشرين تقريبا تتكثف الطبقة المتوسطة حول محور الجنين مشكلة الكتلة البدنية Somites .

التي يبدأ ظهور أول زوج منها في الجهة العليا من الجنين أي جهة الرأس فتتحول العلقة إلى مرحلة المضغة التي لا يكاد طولها يتعدى ٢.٥ مليمتر ثم يتوالى ظهور الكتل البدنية فى أزواج على جانبي محور الجنين حتى يصل عددها ما بين ٤٢ و٤٥ زوجاً فيصبح الجنين قطعة من اللحم الصغيرة التي مضغتها الأسنان ولاكتها تم لفظتها ومن هنا كانت دقة التعبير القرآني مضغة .

5 ـ وفي الفترة من الأسبوع الخامس إلى الثامن من عمر الجنين تتكون العظام ثم يكسوها اللحم ( العضلات والجلد ) وذلك بتحول الكتل البدنية إلى جزئين متمايزين على النحو التالي :

أ ـ جزء أمامي : يعرف باسم كتلة “الهيكل العظمى”

ومنها تتكون عظام كل من الفقرات والأضلاع والأطراف العلوية والسفلية وقاعدة الجمجمة ثم تتكون عظام الوجه والفكين وعظام الأذن الوسطى من القوس البلعومي

ب ـ جزء خلفي وظهري يعرف باسم “الكتلة العضلية / الجلدية” الآدمية “Dermomyotome” :

وينقسم إلى قسمين أكبرها عضلي يشكل معظم عضلات الجسم والآخر جلدي آدمي يشكل الجلد وما تحته من أنسجة.

وفى خلال هذه المرحلة يتم كل من عمليات التصوير والتسوية والتعديل وهي عمليات تستمر حتى الميلاد، وتنفخ الروح في الجنين بنهاية الأسبوع السادس ، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم .

ومن عمليات التسوية والتعديل

ـ تنمو الأعضاء والأطراف، والأطراف تبدأ على هيئة براعم صغيرة جداً تتكون من تكثيف خلايا الطبقة المتوسطة للجنين وتتغطى بالجلد من الطبقة الخارجية.

ـ وكذلك تتكون الأحشاء من القلب وملحقاته والجهاز العصبي بأكمله والجهاز الهضمي والجهاز البولي والتناسلي وغيرها في مراحل متابعة ومحكمة ودقيقة من التسوية والتعديل.

وفي المراحل الأولى من عمليات التصوير والتعديل يتم :

ـ اعتدال ملحوظ في تقوس الجسم.

ـ وبدء تكون الوجه.

ـ وتحديد منطقة العنق.

ـ وظهور الأقواس البلعومية على جانبيها.

ـ وتحديد كل من العينين والأذنين والأنف .

ـ وبدء ظهور براعم الأطراف العليا ثم السفلى .

ـ وتكون الحبل السرى من استطالة العنق الواصل بين الجنين وأمه.

ـ وظهور الغدد التناسلية وإن لم تتمايز إلا بنهاية الأسبوع الثامن حين تكون الأعضاء الداخلية قد اتخذت مواضعها .. وبنهاية الأسبوع الثامن ينتهى دور الجنين Embryo ويبدأ دور الحميل Fetus الذي ينتهي بالميلاد.

يااااا الله من عَلَّم النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كل هذا الإعجاز المُذهل بكل المقاييس كيف تكلم النبى صلى الله عليه وسلم فى أمر لا يفقهه سوى أهل الطب بهذه الروعة والإنفرادية.

ثالثاً : دور عجب الذنب في عملية التخلق للأعضاء :

تتميز خلايا الطبقة الوسطى للجنين – والتي ينتجها الشريط الأولى بالقدرة الفائقة على الانقسام السريع وعلى التنوع والتخصص وعلى الهجرة لتكوين مختلف أنواع الخلايا والأنسجة المتخصصة والأعضاء والأجهزة المحددة.

ومن صور تنوع هذه الخلايا تحركها من العقدة الأولية للجنين من أجل تكوين بدايات الحبل الظهري الذي ينشأ عنه الجهاز العصبي بتفرعاته ويستمر الشريط الابتدائي في تكوين الخلايا الوسطية في جسم الجنين بنشاط واضح حتى نهاية الأسبوع الرابع من تاريخ الإخصاب.

ثم يبدأ في التباطؤ التدريجي فى إنتاج تلك الخلايا ثم فى الانكماش السريع في الحجم حتى يتضاءل إلى حجم لا يكاد يدرك، ثم في الانسحاب التدريجي إلى منطقة العجز ( العصعص ) من الجنين .

ويتضح تميز هذه الخلايا وحساسيتها الفائقة من نموها السريع على هيئة أعداد من الأورام المسخية Teratoma المحتوية على أنسجة أو حتى أعضاء مختلفة إذا تعرضت لبعض المؤثرات مثل الإشعاع ويشير ذلك إلى قدرة خلايا عجب الذنب على تكوين جميع أنسجة الجسم وأعضائه أثناء عملية تخلقه، وإلى قدرتها على الإنبات بإذن الله تعالى يوم البعث بإنزال ماء خاص من السماء كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم. الذى قال فيه: ” ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة ” وقد ثبت أنه لا يبلى .. كما ثبت أن الخلق يركب منه في مرحلة الجنين.

من هذا الاستعراض يتضح بجلاء أن أهم ما يبقى من الميت بعد صعود روحه إلى بارئها هو عَجب الذنب الذى لا يبلى أبدا بينما يتحلل الجسد إلى عناصره الأولى : الماء وتراب الأرض وتبقى هذه الفضلة ( العظمة ) العجيبة عجب الذنب لينبت منها كل مخلوق كما تنبت البقلة من حبتها ولذلك قال تعالى : ” قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَاب حَفِيظٌ ) . ق: ٤ .

يعني أن سر الإنسان كله فى عَجب ذنبه وما زاد على ذلك من نماء جسدي باستخدام ماء الأرض وعناصرها يعود إلى حيث أتى ويبقى الجوهر المادي في الإنسان وهو هذه العظمة المتناهية الضآلة في الحجم حتى كأنها حبة خردل ولكنها لا تبلى أبداً والتي سماها خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.

من قبل ألف وأربعمائة سنة باسم عجب الذنب ولم تعرفها العلوم المكتسبة إلا فى نهاية الثلث الأول من القرن العشرين وأخبر عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم بأن الإنسان يتركب منها، ثم يعاد بعثة منها وهى حقائق لا يعرفها إلا نبي موصول بالوحى ومعلم من قبل خالق السموات والأرض.